أثار انهيار بنك "سيلكون فالي" الأميركي موجة من الذعر في الأسواق العالمية وسط مخاوف من تكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية التي اندلعت شرارتها بإفلاس بنك "ليمان براذرز" الأميركي، فيما تحاول حاليا السلطات الأميركية الإسراع بإجراءات قوية من أجل استعادة الثقة في القطاع المصرفي.. فما تفاصيل هذه الأزمة وكيف بدأت؟
من هو البنك؟
بنك سيلكون فالي (SVB) أكبر مقرض للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في العالم. حيث تخصص في إقراض الأعمال التجارية في مراحلها المبكرة، وقد قام بجمع ما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأميركية التي تم إدراجها في أسواق الأسهم العام الماضي.
توسع البنك الذي تأسس في كاليفورنيا عام 1983، بسرعة خلال العقد الماضي ووظف أكثر من 8500 شخص على مستوى العالم، ومعظم عملياته في الولايات المتحدة.
أسباب الانهيار
خلال السنوات الماضية ضخّ الفيدرالي الأميركي سيولة ضخمة في الأسواق كان البنك أحد المستفيدين منها، وخلال طفرة الشركات الناشئة أثناء فترة وباء كورونا جمعت هذه الشركات مبالغ طائلة من شركات الاستثمار الجريء أو عبر الطروحات وأودعت قسماً كبيراً من أموالها في بنك SVB مما رفع محفظة ودائع البنك من 60 مليار في 2019 إلى ما يقارب 200 مليار دولار في 2022.
في هذه الفترة ومع تضخم محفظة الودائع قام البنك باستخدام نحو 80 إلى 90 مليار دولار لشراء سندات طويلة الأجل مشكلاً محفظة ضخمة بمتوسط عوائد تراوحت حول 1.7%، ولكون العوائد على الودائع شبه صفرية فقد أعطى هذا البنك فارقاً جيداً للاستفادة منه.
هذا الوضع تغير تماماً مع قيام الفيدرالي برفع الفوائد بوتيرة سريعة بداية 2022 لتتآكل قيمة السندات طويلة الأجل التي يمتلكها البنك نتيجة تراجع أسعار السندات التي تربطها علاقة عكسية بمعدلات الفائدة، هذا بالإضافة إلى قيام الشركات الناشئة بسحب بعض من سيولتها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وتراجع زخم الأسهم التقنية.
ولتلافي أزمة سيولة باع البنك بعض السندات بخسارة وصلت إلى 1.8 مليار دولار وقام بمحاولة يائسة لرفع رأس ماله لينتشر الخبر في السوق وتبدأ حالة ذعر بين المستثمرين والعملاء تلتها عمليات سحب هيستيرية كانت نتيجتها سحب ودائع بقيمة 42 مليار دولار في يوم واحد هو 9 مارس الحالي والذي يشكل ربع قيمة ودائع البنك كاملة.
وفي عملية سحب تعتبر الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، فإن أي بنك مهما كان كبيراً لن يتحمل سحب ربع ودائعه في يوم واحد.
أين الرقابة؟
في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تم تغيير قانوني DODD FRANK وهو ما أعفى البنوك التي لا تتجاوز أصولها 250 مليار دولار من القواعد والقوانين الرقابية المشددة كمستويات السيولة المطلوبة والملاءة المالية واختبارات تحمل الضغط، والتي كانت قد أدخلت على قطاع البنوك بعد الأزمة المالية العالمية 2008.
ولولا هذه الإعفاءات لاستطاعت السلطات كشف الأزمة قبل الانهيار بوقت طويل.
مع العلم أن رفع الفائدة الذي يقوم به الفيدرالي الأميركي كلف البنوك الأميركية خسائر بـ 620 مليار دولار (غير محققة) وإذا ما تحققت قد لا تؤثر على البنوك الكبيرة لكنها ستكون كارثية على البنوك الصغيرة.
التدخل الحكومي
أول تحرك كان للمنظمين في ولاية كاليفورنيا، فأغلقوا البنك ووضعوه تحت الحراسة القضائية تحت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية. كما تم إعلان مجموعة من القرارات بعد اجتماع كل من وزارة الخزانة ومجلس الاحتياطي الفيدرالي ومؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية لحماية المستهلكين والنظام المصرفي على رأسها:
- عدم تعريض أموال دافعي الضرائب للخطر.
- السلطات الرسمية والمالية ضمنت وصول كافة المودعين إلى أموالهم في بنك سيلكون فالي اعتباراً من صباح الاثنين.
- تعهد الرئيس الأميركي بمحاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى ومواصلة الجهود لتعزيز الرقابة والتنظيم للبنوك الكبرى حتى لا يتكرر هذا الموقف مرة أخرى.
- قال الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة بشكل منفصل إنهما سيستخدمان سلطات الإقراض في حالات الطوارئ لإتاحة مزيد من الأموال لتلبية طلبات السحب المصرفي ، وهو تحرك إضافي لمنع التهافت على البنوك الأخرى.
- لن تتم حماية المساهمين الموقّعين وبعض حاملي الديون غير المضمونين.
- سيوفر الفيدرالي الأميركي تمويلا إضافيا لمؤسسات الإيداع المؤهلة للمساعدة في ضمان قدرة البنوك على تلبية احتياجات جميع المودعين.
- ستوفر وزارة الخزانة - باستخدام صندوق استقرار الصرف - 25 مليار دولار كحماية ائتمانية لبنوك الفيدرالي الأميركي في الولايات، فيما يتعلق ببرنامج التمويل البنكي الآجل.
- سيكون معدل الفائدة لعملية التمويل هو معدل الفائدة العام لمدة عام واحد زائد 10 نقاط أساس؛ وسيتم تحديد السعر لمدة التمويل في يوم التقدم.
- سيكون تقييم الضمان بالقيمة الاسمية، وسيكون الهامش 100% من القيمة الاسمية.
- يمكن طلب التمويل في إطار البرنامج حتى 11 مارس 2024.
- ستتم إتاحة إجراء الدفعات المقدمة بموجب البرنامج مع الرجوع إلى ما بعد الضمان المرهون للمقترض المؤهل.
ماذا بعد؟
رغم حالة الذعر في وول ستريت، فإنه قد يكون من المستبعد أن تجتاح أزمة حقيقية قطاع البنوك الأميركي في سيناريو يشابه أزمة 2008 الذي يعتبره الخبراء مستبعداً حالياً. معللين ذلك بالسيولة الجيدة وملاءة رأس المال التي تعتبر اليوم أفضل من قبل.
ولكن من غير المعروف ما هو التأثير على قطاع كالتقنية والتكنولوجيا والكريبتو لما لها من انكشاف على بنوك مثل "سيلكون فالي" و"سيغنتشر" لأسباب عديدة منها تراجع التمويل لهذه الأنشطة بشكل طبيعي نتيجة الظروف الاقتصادية الراهنة وكون الإجراءات تحمي المودعين وليس الشركات.