تقود السياسات المرنة التي يتبعها البنك المركزي المصري، إلى توقعات متفائلة بشأن قيمة الجنيه، لا سيما في ضوء المؤشرات الراهنة، وفي وقت تواصل فيه الحكومة المصرية سلسلة الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، والمبادرات الهادفة لزيادة الموارد الدولارية.
تأتي تلك الجهود بعد عامٍ من الخسائر التي لحقت بالعملة المصرية خلال العام 2022، والتي فقدت نحو أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار الأميركي.
وبينما لا يزال الجنيه يجابه ضغوطات غير مسبوقة، في ضوء مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، إلا أن تعويلاً واسعاً على نجاعة سياسات المركزي المصري وجهود الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها الدولة المصرية حالياً.
وفي سبيل ذلك، ارتفع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري إلى 34.352 مليار دولار في فبراير، بزيادة حوالي 128 مليون دولار عن يناير، بحسب ما أعلنه المركزي المصري على موقعه الإلكتروني، الأحد.
سياسة نقدية مرنة قادرة على مواجهة التحديات
مدير الاستثمار بشركة NI Capital القابضة المصرية محمد الشربيني، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إن السياسة النقدية للبنك المركزي المصري تتسم بالمرونة الشديدة، بما يسمح لها باستيعاب كافة المتغيرات سواء الداخلية أو الخارجية.
ويضيف: "نرى الخطوات الجريئة التي قام بها المركزي على مدار السنوات القليلة الماضية"، مشدداً في الوقت نفسه على أن المركزي لن يدخر جهداً لاستخدام كافة أدواته لتحقيق هدف السياسة النقدية في الحفاظ على مستويات الأسعار على المدى المتوسط.
- في الثاني من شهر فبراير الماضي، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري تثبيت سعر الفائدة، في أول اجتماع لها بالعام 2023
- كان المركزي قد فاجأ الأسواق، في ديسمبر الماضي، بزيادة الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس دفعة واحدة، في خطوة كانت تمهد لتعويم ثالث للجنيه المصري في أقل من عام.
- على مدار العام الماضي، رفع المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس لتصل إلى 17.25 بالمئة على الإقراض، و16.25 بالمئة على الإيداع.
ويتابع الشربيني: "بينما يواجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة في الوقت الراهن خصوصاً على المدى القصير، وتأتي أسعار الصرف على رأس الأدوات المتوقع تعرضها لتذبذبات سعرية خصوصاً مع التزام البنك المركزي بالمرونة السعرية لسعر الصرف، إلا أنه على المديين المتوسط والطويل نعتقد بتحسن الأوضاع بصفة عامة، خصوصاً مع اتخاذ وتنفيذ عديد من الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري وزيادة الموارد الدولارية من الصادرات والسياحة بصفة خاصة".
مبادرات هادفة لزيادة العائدات الدولارية
وتسعى مصر خلال الفترة الحالية لزيادة عائداتها الدولارية من خلال طرح مبادرات مثل سيارات المصريين في الخارج، وطرح حصص في الشركات الحكومية سواء في البورصة أو لمستثمر استراتيجي؛ من أجل سد الفجوة التمويلية التي يقدرها صندوق النقد الدولي بنحو 17 مليار دولار في الفترة المقبلة.
ويشير مدير الاستثمار بشركة NI Capital القابضة المصرية، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى برنامج الطروحات الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية والخطوات الجادة في سبيل تنفيذه، والذي سوف يؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى إصلاحات مؤثرة ومستدامة لهيكل الاقتصاد بصفة عامة.
تصب تلك المبادرات المهمة في سياق توفير موارد دولارية للدولة المصرية، وبما يعزز موقف الجنيه في مجابهة التحديات التي تواجه عملات الأسواق الناشئة في ظل التأثيرات الخارجية الناجمة عن التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم.
- يستهدف برنامج الطروحات إتاحة أصول بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص (المحلي أو الأجنبي) خلال الأربع سنوات المقبلة
- أعلنت الحكومة المصرية في فبراير الماضي تفاصيل طرح 32 شركة مملوكة للدولة في البورصة أو لمستثمر استراتيجي على مدار عام كامل. وتندرج الشركات المطروحة في 18 قطاعاً ونشاطاً اقتصادياً
- تستهدف الحكومة المصرية رفع معدلات مشاركة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى 65 بالمئة
وتختلف التقديرات الصادرة عن عددٍ من المؤسسات المالية حول الأداء المتوقع للجنيه على المدى القصير، في وقت تشير فيه أقصى التقديرات لانخفاض عند حدود 35 جنيهاً للدولار الواحد (بحسب بنك كريدي سويس السويسري)، وأدنى التقديرات عند الثبات على 30 جنيهاً في الربع الثاني من العام (بحسب تقديرات جي بي مورغان). بينما يتوقع محللون انتعاشة تدريجية مع جني ثمار السياسات الاقتصادية الحالية والمبادرات الحكومية ذات الصلة.
مؤشرات إيجابية لارتفاع قيمة العملة المصرية
يشير الخبير الاقتصادي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، الدكتور حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية بخصوص تقييم الجنيه المصري، عادة ما تستند إلى عدد من المؤشرات الأساسية؛ أولها حجم النقد الأجنبي الذي تحصل عليه مصر من مصادر مختلفة، لا سيما من إيرادات قطاع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات المصرية وإيرادات قناة السويس).
ويلفت الخبير الاقتصادي المصري في السياق نفسه، إلى أن ثمة مدخولات كبيرة في هذا السياق بالعملة الأجنبية، وبما يعطي مؤشرات إيجابية بشأن رفع قيمة الجنيه المصري.
- حققت مصر إيرادات سياحية بنحو 10.75 مليار دولار خلال العام المالي المنتهي في يونيو 2022، مقارنة بـ 4.86 ملياراً بالعام السابق عليه (طبقاً لوزير السياحة والآثار، أحمد عيسى).
- بلغت إيرادات قناة السويس في 2022 حوالي 7.9 مليار دولار، وتتوقع الحكومة طفرة كبيرة في الإرادات خلال الفترة الحالية
- سجلت الصادرات المصرية نمواً بنسبة 19.5 بالمئة خلال العام 2022 لتسجل "مستويات غير مسبوقة" بقيمة 53.8 مليار دولار للصادرات السلعية والصناعية وكذلك الصادرات البترولية (بحسب إحصاءات وزارة التجارة)
مصر.. التزام كامل بالوفاء بتعهداتها الخارجية
ويتابع الخبير الاقتصادي: ومن المؤشرات كذلك التي تنظر إليها تقارير التقديرات المستقبلية المؤشرات المرتبطة بحجم الديون والالتزامات، خاصة الالتزامات قصيرة بالمقارنة مع حجم الاحتياطات المتوفرة.
وفيما ارتفع حجم الدين الخارجي لمصر نحو 5 أضعاف تقريباً خلال العشرة أعوام الماضية، فإن القاهرة تُبدي قدرة على الوفاء بكافة التزاماتها المالية في مواعيد الاستحقاق داخلياً وخارجياً. وطبقا لبيانات البنك المركزي المصري، وجدول استحقاقات أقساط وفوائد الدين الخارجي على مصر، في ديسمبر الماضي، فإن مصر ملزمة بسداد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي خلال الخمس سنوات المقبلة.
قوى العرض والطلب
ويشير الغايش إلى أنه "في النهاية فإن سعر الصرف متروك بشكل أو بآخر لقوى العرض والطلب، الأمر الذي ينتج عنه السعر العادل.. وأعتقد بأن السعر المعمول به في البنك المركزي حالياً هو الأقرب ويمثل نقطة التوازن، في ضوء حجم التدفقات الأجنبية الداخلة والخارجة"، مبرزاً مرونة سياسات المركزي المصري مع الاستجابة لسياسات العرض والطلب وتحرك الأسعار.
كان خفض قيمة العملة المصرية بنسبة 23 بالمئة في الرابع من يناير الماضي هو الثالث منذ مارس من العام 2022 (وهو العام الذي شهد فيه الجنيه تخفيضاً لقيمته في مارس وأكتوبر)، لتصل خسائر الجنيه إلى نحو 57 بالمئة من قيمته منذ ذلك الحين.