يواجه قطاع الطاقة العالمي مجموعة من التحديات التي تجعل من أزمة الطاقة التي تعيشها معظم دول العالم حالياً، مستمرة لسنوات لن تكون قليلة، بسبب نقص الاستثمارات الدولية في توسيع طاقة إنتاج النفط والغاز وفي الاستكشافات النفطية، ما أدى إلى اضمحلال الكثير من مصادر الطاقة والذي سيتسبب بنقص الإمدادات في العالم.
وعلى الرغم من إدراك العالم لحقيقة أن تراجع الاستثمارات طويلة الأجل في النفط والغاز زاد من تحديات قطاع الطاقة، فإن ما عمق الأزمة هو توجه البنوك المركزية وفي مقدمتها المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنكلترا والبنك المركزي الأوروبي منذ نحو عام إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة قوية وسريعة للسيطرة على معدلات ارتفاع الأسعار أو ما يعرف التضخم، الأمر الذي يخفف انفتاح الشركات على الاستثمارات النفطية، هو ما حذرت منه دراسات حديثة عندما أشارت إلى أن نهاية عهد سعر الفائدة المستقر والرخيص قد يكون تهديداً لمواصلة نمو مشروعات الطاقة.
رفع وتيرة أسعار الفائدة
رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 8 مرات منذ العام الماضي، أربعة منها بنسبة 0.75 بالمئة، ليتراوح المعدل ما بين 4.5 و4.75 بالمئة، لكن رغم هذه الخطوات تعهد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، بمزيد من الزيادات في أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة من أجل السيطرة على التضخم وخفضه إلى المستوى المستهدف عند 2 بالمئة، كما رفع بنك انجلترا سعر الفائدة 10 مرات على التوالي لتصل إلى 4 بالمئة، في حين رفع البنك المركزي الأوربي الفائدة 5 مرات لتصل إلى 3 بالمئة.
سياسات خاطئة للاتحاد الأوروبي
يُمكن القول إن أزمة الطاقة التي تجتاح العالم بدأت كأزمة أوروبية في يناير من العام 2021، أي قبل أربعة عشر شهراً من بدء النزاع الروسي الأوكراني، وهي أخطر وأشدّ أزمة مرّت وتمر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، من حيث إلحاقها ضرراً وخيماً في اقتصاد العالم وإحداث تضخم مالي وضمور اقتصادي كبير جداً، وفقاً لخبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة، الذي أرجع ذلك إلى الضغوط التي تعرضت لها صناعة النفط في العالم من جانب المتشددين من دعاة البيئة وبسبب السياسات الخاطئة التي انتهجها الاتحاد الأوروبي لتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة من الطاقة الأحفورية (النفط والغاز والفحم)، ليأتي النزاع ويحوّل هذه الأزمة إلى أزمة عالمية ويعيد توجيه مواد الطاقة من غاز وفخم ونفط من الغرب إلى الهند والصين ودول حوض المحيط الباسيفيكي.
أزمة الطاقة ستبقى معنا لسنوات طويلة
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يؤكد الدكتور سلامة أن أزمة الطاقة ستبقى معنا لسنوات طويلة، مستنداً في ذلك إلى أربعة أسباب استخلصها من دراسته لسوق النفط العالمي، أولها أن الطلب العالمي على النفط سيستمر بشكل طويل، مشيراً إلى أن هذا الطلب سيبقى المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي ودونه لا يستطيع الاقتصاد العالمي أن يعمل باعتبار أن النفط والغاز هما عماد الاقتصاد العالمي.
ويضيف خبير النفط العالمي الدكتور سلامة: "السبب الثاني يتجلى في أن سوق النفط العالمي سوق منقبض جداً الآن بمعنى أنه لا يوجد تخمة في السوق في حين أن السوق يعاني من نقص في إمدادات الطاقة سواء كانت غازاً أم نفطاً أم فحماً، أما الثالث فيتمحور بوجود انكماش في طاقة الإنتاج الإضافية في العالم بما في ذلك منظمة أوبك، في حين تمثل عودة الصين إلى سوق النفط العالمي وقوة طلبها ودعمها للنفط والغاز السبب الرابع".
إذا وضعنا هذه الأسباب معاً لوجدنا أنه سيكون هناك نقص في إمدادات الطاقة في العالم لسنوات طويلة لأنه هناك نقص في استثمارات العالم لتوسيع طاقة إنتاج النفط والغاز وفي الاستثمارات والاستكشافات النفطية، طبقاً لما قاله الدكتور سلامة.
كما يرى أن الاستثمارات العالمية، في حال وجدت الآن، فسوف تستغرق نحو 6 سنوات على أقل تقدير حتى تؤتي أوكلها.
التحول الكامل نحو الطاقة المتجددة غير كاف
ويشرح الدكتور سلامة "إن الطاقة المتجددة وحدها غير قادرة على تلبية حاجة العالم من الكهرباء لأنها ستكون متقطعة، بمعنى إذا كان هناك غيوم فلا نستطيع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وإذا كانت الرياح ساكنة فليس هناك مجال لتوليد الكهرباء من الرياح، فالطاقة المتجددة تحتاج على دعم من الغاز الطبيعي ومن الفحم ومن الطاقة النووية ولكن بشكل رئيسي من الغاز الطبيعي، ولهذا السبب فإن الحديث عن تحول عالمي كامل نحو الطاقة المتجددة كلام لا يعتمد على الحقائق ومن هذه الزاوية سيبقى النفط والغاز الأساسين الرئيسيين في دعم الاقتصاد العالمي وفي طريقة الحياة التي نعيشها".
2023 سيكون عاماً حاسماً لقطاع الطاقة العالمي
من جهته، اعتبر مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي في تصريحات خاصة بموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن عام 2023 سيكون حاسماً بالنسبة لقطاع الطاقة العالمي بشكل كامل، مشيراً إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في فبراير 2022 أحدثت إرباكا وتغييرات هيكلية في الاستثمارات النفطية وقطاع الطاقة بشكل كامل ومنها تحول تصدير الطاقة الروسية من أوروبا إلى جهات أخرى.
ويوضح الشوبكي أن 70 بالمئة من الغاز الروسي بلا مشتر بعد أن انخفض تصديره إلى أوروبا بنسبة 80 بالمئة بينما يذهب فقط 5 إلى 10 بالمئة من الغاز الروسي إلى الصين، أما بالنسبة للنفط فالأمر مختلف لأن تغيير خريطة تجارة النفط أسهل بكثير من تغيير خارطة تجارة الغاز الطبيعي الذي يعتمد على الأنابيب والبنية التحتية المكلفة والوقت الطويل لإنشائها، ما يعني أن تحديد وجهة تجارة الغاز الطبيعي يحتاج أكثر من عشر سنوات لاستقرارها عالمياً بخلاف النفط، بحسب الشوبكي.
الاستثمارات وجدلية الطلب على النفط
كانت شركات قطاع الطاقة تعتقد بشكل جازم منذ جائحة كورونا أن ذروة الطلب على النفط كانت في العام 2019، لهذا السبب كانت الاستثمارات النفطية أقل من المعدلات المعهودة ما قبل العام 2014، حيث بدأت الاستثمارات النفطية تنخفض بعد أن كانت تصل في سنوات ماضية إلى أكثر من 600 مليار دولار في حين بالكاد تصل في العام 2023 مع الطلب المتوقع على النفط وضيق المعروض في الأسواق إلى 450 مليار دولار، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك.
التشدد النقدي يضعف شهية المستثمرين
ويؤدي التشدد النقدي من قبل البنوك المركزية في العالم وخصوصاً الفيدرالي الأميركي وتأكيده على الاستمرار في سياسة رفع أسعار الفائدة، إلى إضعاف شهية الإقبال على الاستثمارات النفطية لتبقى محصورة في الاستثمارات السيادية بمنطقة الخليج العربي والجزائر وبعض الاستثمارات في بحر الشمال والولايات المتحدة لكن سيحد منها معضلة ارتفاع أسعار الفائدة الذي قد يستمر ويرافقنا طوال العام 2023 طبقاً للمستشار عامر الشوبكي، الذي أكد نتائج هذا الأمر ستكون مخالفة لأمن التزود بالطاقة العالمي حيث سيرافق ذلك أسعار مرتفعة للطاقة، إذ أن معدل الأسعار المتوقعة لبرميل خام برنت 89 دولاراً، وهذه الأسعار مرتفعة إذا ما قارناها بمعدلات الأسعار في السنوات الماضية.
وكان معدل الأسعار في العام 2019 (61) دولاراً وفي العام 2020 (46 دولاراً)، وفي العام 2021 (71) دولاراً وفي العام 2022 (99) دولاراً، حيث يؤكد الشوبكي أن المعدل المنتظر لسعر النفط أعلى من معدلاتها المعهودة بسبب ضيق المعروض وضعف الاستثمارات وارتفاع الفائدة والخلل الهيكلي الذي جرى على قطاع الطاقة العالمي.
المخزون الأميركي أحد أوجه الخلل الهيكلي للقطاع
ويشير مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي إلى أن "أحد أوجه الخلل الهيكلي لقطاع الطاقة المخزون الاستراتيجي النفطي الأميركي والذي ثبت عند 371 مليون برميل أي فقد أكثر من ثلثي موجوداته وعند استعادة المخزون بكامل طاقته عند 750 مليون برميل فالأمر يحتاج إلى كميات ضخمة يحتاج ملؤها لسنوات مع عدم نمو النفط الصخري الأميركي بالشكل الذي تريده الإدارة الأميركية أو الشكل المتوقع نتيجة عدم المستثمرين الأميركيين بالصخر الزيتي في الاتجاه الحكومي الأميركي وخاصة بعد قانون خفض التضخم الذي وجه 380 مليار دولار من الاستثمارات إلى الطاقة النظيفة والمتجددة بالإضافة للإجراءات الأخرى للولايات المتحدة في تقليص الاستثمارات في الأراضي الفيدرالية".
عودة محطات الفحم
ومن التحديات التي يواجهها قطاع الطاقة العالمي، التوترات الجيوسياسية وما يشهده العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب عودة محطات الفحم والاستثمار المفرط في الطاقة المتجددة، وأيضاً الاتجاه الكبير نحو الطاقة النووية والذي قد يضعف الاستثمارات في الغاز الطبيعي لأنه يهدم الطلب على هذه المادة، بحسب الشوبكي.