يدخل قرار الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد المنتجات النفطية المكررة من روسيا حيز النفاذ يوم الخامس من فبراير المقبل، وذلك بعد بدء حظر سابق على الخام الروسي في الخامس من ديسمبر الماضي.
ويُتوقع أن تواجه دول أوروبا أزمة مرحلية في تعويض واردات المنتجات الروسية والتي تصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، نصفها من وقود الديزل (طبقاً لتقديرات جيه بي مورجان تشيس).
وفي هذا الإطار، تُواجه سوق المشتقات النفطية مزيداً من المتغيرات الأساسية والتقلبات، في ضوء سعي دول الاتحاد الأوروبي لتأمين بدائل للمنتجات الروسية لسد الفجوة المتوقعة، بينما يُرجح أن تأتي الصين وإن كانت بشكل غير مباشر، من بين أبرز تلك البدائل، فضلاً عن دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
عملت دول القارة العجوز خلال الأشهر الماضية على تكثيف واردات الديزل من الصين، بينما تعتمد الأخيرة بشكل أساسي في عمليات التكرير بمصافيها على الخام الروسي. كما كثفت أيضاً وارداتها من المشتقات النفطية الروسية في الفترة الأخيرة من العام 2022.
نحو 220 مليون برميل واردات الاتحاد الأوروبي من منتجات الديزل من روسيا في 2022 (طبقاً لشركة فورتكسا، وهي شركة بريطانية متخصصة في تتبع ناقلات النفط).
- صادرات الصين من الديزل تحديداً يمكن أن تتراوح ما بين 400 ألف إلى 600 ألف برميل يومياً في النصف الأول من العام الجاري 2023 (طبقاً لتقديرات مدير أبحاث النفط في وود ماكينزي، مارك وليامز).
وتأتي عدد من دول منطقة الشرق الأوسط ضمن البدائل الأكثر وضوحاً بالنسبة لأوروبا لتأمين واردات المشتقات النفطية، لعدة عوامل أساسية؛ من بينها معامل التكرير الحديثة التي تمتلكها تلك الدول وبما يدعمها في إنتاج ملايين البراميل يومياً، فضلاً عن عامل القرب الجغرافي لتلك الدول من أوروبا.
يدور الحديث تحديداً عن أربع دول أساسية، من بينهم ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والكويت)، ودولة أفريقية (الجزائر).
- في سبتمبر الماضي ارتفعت واردات أوروبا من الديزل من منطقة الشرق الأوسط مسجلة أعلى مستوى خلال 3 سنوات
- بلغت واردات أوروبا من ديزل الشرق الأوسط في سبتمبر 509 ألف برميل مع سعي الدول الأوروبية لتنويع مصادر الحصول على المنتجات النفطية
- كثفت الولايات المتحدة الأميركية والهند شحناتهما في الأسابيع الأخيرة إلى أوروبا قبيل سريان الحظر على المنتجات الروسية لدعم مرافق التخزين
"غربلة" سوق المشتقات النفطية
وحول جملة المتغيرات التي تشهدها أسواق المشتقات النفطية مع قرب دخول الحظر الأوروبي على واردات المنتجات النفطية من روسيا، يتحدث الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في الظبي كابيتال بالإمارات، محمد علي ياسين، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، حول ما وصفه بـ "عملية الغربلة الدولية" التي تشهدها أسواق النفط فيما يخص الموردين للدول الأخرى.
ويقول إن الهند على سبيل المثال تقتنص معظم النفط الوارد من روسيا (قفزت واردات الهند من النفط الروسي 33 ضعفاً في ديسمبر الماضي طبقاً لبيانات بلومبيرغ) وبالتالي انعكس ذلك على الكميات التي كانت تحصل عليها من دول خليجية، وعليه صار لدى تلك الدول قدرة لمد ربما دول أوروبية، في إطار تلك "الغربلة" لإعادة ترتيب الشركاء على وقع العقوبات المفروضة على روسيا.
ويلفت إلى أن المفاوضات المرتبطة بتوجيه المشتقات النفطية من دول خليجية لأوروبا بدأت منذ شهور وهناك اتفاقات وقعت بالفعل في قطاع الطاقة، من بينها الاتفاقات الإماراتية مع بعض الدول الأوروبية (ألمانيا بشكل خاص بالإشارة إلى اتفاق شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" في سبتمبر الماضي مع ألمانيا لتزويدها بالديزل إلى جانب الغاز المسال)، كما أن هناك دولاً عربية أخرى تمثل بدائل لأوروبا مثل الجزائر.
ويتابع الخبير الاقتصادي: "هذه الدول لم تضع نفسها كبديل لروسيا.. وأعتقد بأنه لا أحد من أوبك وأوبك بلس يريد أن يكون في هذا المكان"، ذلك في ضوء عملية "الغربلة" المشار إليها.
• 1.2 مليون برميل يومياً حجم واردات الاتحاد الأوروبي من المنتجات الروسية المكررة في 2021 (طبقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية)
• 18 بالمئة حصة الاتحاد الأوروبي من صادرات روسيا من المشتقات النفطية حتى فبراير 2022، قبل أن تتراجع النسبة لنحو 15 بالمئة بحلول نوفمبر الماضي ضمن تداعيات الحرب في أوكرانيا
تأثيرات محدودة على المدى المتوسط
يشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن العقوبات الغربية على روسيا "قد لا يكون تأثيرها بالشكل المُتوقع.. يمكن أن يظهر ذلك التأثير على المدى القصير، بينما على المدى المتوسط قد يكون محدوداً".
ويُبرر رمضان ذلك بقوله "إن ثمة طرقاً مختلفة للالتفاف على هذه العقوبات، من بينها مسألة تغيير الزبائن، فبدلاً من أن يتم بيع النفط الروسي ومشتقاته إلى دول الاتحاد الأوروبي يتم توجيهه إلى الصين، بينما تتوجه الدول الموردة للنفط إلى الصين إلى الاتحاد الأوروبي".
ويشدد على أن "المستفيد في الأغلب هي الصين لحصولها على النفط بأسعار مخفضة.. بينما روسيا والاتحاد الأوروبي المتضررين، لا سيما وأن دول أوروبا تضطر للحصول على النفط ومشتقاته بأسعار أعلى من مصدرين مختلفين"، مبرزاً في الوقت نفسه عديداً من التصورات المطروحة من أجل "التحايل" على العقوبات" وبالتالي ضمان نفس كمية الإمدادات الواردة إلى أوروبا من المنتجات النفطية.
وتشير تقديرات بنك أوف أميركا، إلى ارتفاع محتمل بأسعار الديزل في أوروبا إلى 200 دولار للبرميل خلال الربع الأول من العام الجاري 2023.
بالنسبة للكويت، يلفت الخبير الاقتصادي إلى أنه "على اعتبار أن روسيا تصدر للصين أو دول آسيوية أخرى، فالكويت وعلى اعتبار أنها مُصدر أساسي لهذه الدول قد تضطر لتغيير العملاء أو المستوردين.. وقد نسجل في هذا السياق انخفاضاً في صادرات الكويت للصين وربما بعض الدول الأخرى، مقابل زيادة صادرات الكويت لأوروبا والدول التي لا تريد شراء المشتقات النفطية من موسكو (..) في النهاية الأمر لا يتعلق بسعة إنتاجية جديد، إنما فقط تحويل المنتجات من وجهة لوجهة أخرى، وليس بالضروري أن يكون ذلك مربحاً".
وطبقاً للبيانات التي نشرتها "بلومبيرغ" في التاسع من شهر يناير الجاري، نقلاً عن مصدر مُطلع لم تُسمه فإنه:
- يُتوقع ارتفاع واردات أوروبا من الديزل الكويتي هذا العام بخمسة أضعاف معدلات 2022
- 2.5 مليون طن واردات أوروبية متوقعة من الديزل الكويتي في 2023 (50 ألف برميل يومياً)
- 5 ملايين طن من وقود الطائرات صادرات متوقعة من الكويت إلى أوروبا العام الجاري
وكان الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية الشيخ نواف سعود الصباح، قد رجح أن "تكون زيادة صادرات الشرق الأوسط من الديزل وغيره من المنتجات إلى أوروبا دائمة، مع إجبار روسيا على التركيز أكثر على الأسواق الآسيوية"، طبقاً للتصريحات التي نقلتها عنه بلومبيرغ.
تعويض أوروبا
يقول الخبير الاقتصادي السعودي، سلمان العساف، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن بلاده -التي تأتي في المرتبة الثانية في ترتيب أكبر منتجي النفط في العالم خلفاً للولايات المتحدة- تُنتح ما يقارب الـ 11 مليون برميل يومياً، وتُصدر حوالي أكثر من 7.5 مليون برميل من النفط المكرر.
ويتابع: بالنسبة للمشتقات النفطية، فإن أكبر مشتقين يتم إنتاجهما هما البنزين والديزل، إضافة إلى وقود الطائرات بعد ذلك (..) المملكة العربية السعودية لديها قدرة تصديرية كبيرة وتستطيع زيادة عملية تكرير النفط في رأس تنورة ومعامل أخرى، ومن ثم زيادة التصدير، وبما يحقق عوائد مجزية للسعودية والدول الأخرى.
ويشير إلى أن ثمة دولاً عربية أخرى إلى جانب السعودية يمكن أن تتوسع في مد أوروبا بمشتقات النفط، من بينها (الجزائر والكويت والإمارات). لكنه يعتقد بأن "الدول المذكورة مجتمعة لا تستطيع تغطية أو تعويض حاجة أوروبا من النفط الروسي بشكل كامل، لا سيما مع وجود أسواق أخرى كثيرة".
- بلغت صادرات السعودية من المنتجات النفطية 1.429 مليون برميل يومياً في يوليو الماضي
- سجلت الصادرات النفطية السعودية أعلى مستوى لها في 27 شهرا في يوليو، بواقع 7.38 مليون برميل