شهد عام 2022 تصاعدا في حدة الصراع بشأن صناعة الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين.
وقد كثفت أميركا جهودها خلال الأشهر المنصرمة لإعاقة تقدم الصين في هذه الصناعة، من خلال فرض قيود عليها، لترد الصين متوعدة بتحقيق النصر في معركة الرقائق الإلكترونية على حد وصفها.
ورغم أن أحداث الصراع تدور بين أميركا والصين، إلا أن المفارقة تكمن في أن القوة الحقيقية في صناعة الرقائق الإلكترونية ليست بيد الطرفين المتنازعين، بل بيد طرف ثالث هو شركة TSMC "تي إس إم سي" التايوانية، التي قال رئيسها التنفيذي منذ أيام إن المواجهة الجيوسياسية التي تحدث باتت تشوه سوق الرقائق.
ويقول مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد المنعم السيد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن شركة TSMC تعتبر الأكبر على مستوى العالم في صناعة الرقائق الإلكترونية، وهي تسيطر على أكثر من 50 بالمئة من الحصة العالمية، كما أنها تسيطر على صناعة الرقائق الأكثر تقدما من فئة 5 نانوميتر، والتي تستخدم في الصناعات التكنولوجية مثل الإلكترونيات والسيارات والصناعات العسكرية، ما يعني أن الشركة تسيطر على قوة عالمية مخيفة.
وبحسب السيد فإن إنتاج TSMC يتركز في الوقت الحالي بالكامل في تايوان، إلا أنه وبعد التوترات المتلاحقة بين أميركا والصين بشأن صناعة الرقائق وبشأن وضع تايوان، أدركت الشركة أن القوة الكبيرة التي تمتلكها لا يجب أن تكون في مكان واحد، حيث أن أي احتمالية لتعطل سلاسل الإمداد والتوريد الخاصة بها، سوف تدخل العالم في نفق مجهول، وهذا ما دفعها للبحث عن أماكن جديدة والتخطيط لتوزيع إنتاجها على 7 مصانع جديدة موزعة في العالم.
ويكشف السيد أن TSMC بدأت بالفعل بإقامة مصنعها في الولايات المتحدة بتكلفة 12 مليار دولار، كما أعلنت عن بناء مصنع في اليابان بالتعاون مع سوني، إضافة إلى إمكانية إقامة مصنع في أوروبا، مشيرا إلى أن الدول العربية يمكن أن يكون لها نصيب من مصانع TSMC حيث تمتع بسوق كبيرة، وبالأخص مصر والسعودية والإمارات.
من جهته يقول المستشار في شؤون التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات عامر الطبش، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة الرقائق الإلكترونية شهدت نمواً بنسبة تفوق الـ 20 بالمئة في 2021، حيث وصل حجم المبيعات إلى نحو 600 مليار دولار، ما اعتبر بالرقم القياسي، مشيرا إلى أن الرقائق الإلكترونية باتت تدخل بأغلبية الصناعات وتحولت إلى عنصر أساسي بالحياة اليومية، فلا شيء يمكن أن يعمل دون رقائق بدءاً من الهاتف مرورا بمعامل التصنيع وصولا للسيارات.
وبحسب الطبش فإن أي اضطراب ستتعرض له صناعة الرقائق الإلكترونية في تايوان، سيكلف الاقتصاد العالمي خسائر فادحة، وهذا ما دفع TSMC للتفكير بتوزيع إنتاجها في العالم، متوقعا أن تستمر أزمة الرقائق في عام 2023، وذلك رغم الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الشركات العالمية في هذا المجال، حيث أن بدء الإنتاج في المعامل الجديدة للرقائق، يحتاج لسنوات كون هذه الصناعة معقدة للغاية.
ويختم الطبش بالقول إن جوهر الصراع يكمن في أن أميركا تحاول إعاقة تقدم الصين في مجال صناعة الرقائق، حتى تتمكن من تعويض تراجعها في هذا المجال، وبالتالي على الشركات العالمية توقع استمرار هذا السيناريو والتأقلم مع واقع وجود عجز هيكلي في هذه الصناعة أقله في المدى القريب.