وضعت أزمة أوكرانيا التي دخلت شهرها السابع، اليورو على شفا الهاوية، في ظل التداعيات التي خلفتها من أزمة طاقة عالمية وإشعال فتيل التضخم وإبطاء وتيرة النمو نتيجة إقدام معظم البنوك المركزية في العالم على رفع سعر الفائدة ما جعل اقتصادات العالم على حافة الركود وأفقد اليورو مستويات التكافؤ مع الدولار الأميركي، فضلاً عن الجفاف غير المسبوق الذي ضرب أوروبا.
وحط اليورو رحاله الأسبوع الماضي عند أدنى مستوياته خلال عقدين في مواجهة الدولار الأميركي، حيث هبط 0.4 بالمئة، ليتراجع دون واحد دولار للمرة الأولى منذ منتصف يوليو الماضي، بعد أن أعلنت روسيا عن توقف لمدة 3 أيام لإمدادات الغاز الأوروبية عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 في نهاية أغسطس ما أدى إلى تفاقم أزمة الطاقة في المنطقة.
وكان اليورو قد هبط في منتصف يوليو الماضي دون نقطة التعادل مع الدولار الأميركي للمرة الأولى منذ بدء التداول بهذه العملة قبل نحو 20 عاماً.
ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور عماد المصبح إلى أن انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار بطريقة غير مسبوقة ومفاجئة، يعود إلى عدة عوامل أهمها رفع معدلات الفائدة بشكل متوالي في الولايات المتحدة، والنتائج التي تمخضت عنها ما تسميه موسكو بـ "عمليات عسكرية" في أوكرانيا، إلى جانب الجفاف غير المسبوق الذي ضرب أوروبا خلال هذا الصيف ما أثر بعمق في سلاسل الإمداد والإنتاج الزراعي.
ويشرح الدكتور المصبح في حديثه لموقع " اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أن رفع الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية أدى إلى خروج كميات دولارية كبيرة للاستفادة من هذه الزيادة من قبل المستثمرين من مختلف الجنسيات، كما أدت أزمة أوكرانيا إلى زيادة تكاليف الواردات الأوربية ولاسيما فاتورة الطاقة، التي تدفعها لروسيا نفسها ولدول أخرى، ويتبع ذلك بطبيعة الحال ارتفاع فاتورة السلع الغذائية وغيرها".
ويضيف الخبير الاقتصادي: "من غير المتوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة أن يعود سعر صرف اليورو إلى مستوياته القديمة مع استمرار الحرب ومع استمرار الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة، وللأسف من المتعذر في الوقت الراهن أن يقابل البنك المركزي الأوربي الفيدرالي الأميركي بتغييرات في نسب الفائدة، بسبب صعوبة اتخاذ القرار المتعلق بهذا الجانب في ظل اقتصادات ذات مصالح متناقضة".
بدوره، يوضح محلل الأسواق العالمية، رائد الخضر، أن اليورو لا يزال في الاتجاه الهابط، حيث يئن تحت ضغط هائل تسببت به عوامل عدة، فمن ناحية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت أزمات خطيرة سياسية واجتماعية واقتصادية، ومن جهة أخرى أزمة الطاقة وإمداداتها التي كان من شأنها إشعال فتيل التضخم وإبطاء وتيرة النمو كل هذا وضع اليورو في مسار هابط فاقداً مستويات التكافؤ أمام الدولار الأميركي".
ويلفت الخضر في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الأنظار الآن تتجه إلى البنك المركزي الأوروبي واجتماعه المقبل في الثامن من سبتمبر، والذي من المتوقع أن يشهد رفعاً لمعدلات الفائدة بما يوصلها إلى مستويات 0.75 بالمئة، حيث تنقسم التوقعات حول النتيجة المحتملة من البنك المركزي الأوروبي فيما ستكون بنبرة تشددية أو تستمر في النهج الميسر خصوصاً مع تضخم يسجل أعلى مستوى له في 40 عاماً".
ومن الواضح أن أزمة الطاقة والمخاوف من الركود هي الأسباب الرئيسة لانهيار اليورو وما يزيد الضغط عليه هو القوة المفرطة في الدولار الأميركي التي اكتسبها في فترة قصيرة نسبياً بدعم من أساليب التشديد النقدي التي يتم اتباعها من قبل الفيدرالي الأميركي وهذا من شأنه أن يبقي اليورو دون مستويات التكافؤ لفترة أطول من الزمن مع استمرار حالة عدم اليقين تجاه الركود والتوترات الجيوسياسية وتأثيراتها على النمو العالمي ناهيك عن أن منطقة اليورو التي هي قلب الصراع، وفقاً للخضر.
ويضيف محلل الأسواق العالمية: "سجلت أسعار الغاز في أوروبا رقما قياسياً جديداً الأسبوع الماضي حيث وصلت إلى 343 يورو لكل ميغا/واط/ ساعة يوم الجمعة الماضي، وهو ما يزيد بأكثر من 30 مرة على الأسعار قبل عامين، وبالتالي فإن استقرار الطاقة أمر لازم لتحقيق استقرار اليورو في الوقت الحالي".