تعتمد ألمانيا بشكل رئيسي على توليد الطاقة من خلال واردات الغاز الروسي، وبدونه، فقد يواجه أكبر اقتصاد في أوروبا أزمة كبيرة في قطاع الطاقة.
وبجانب ترشيد الاستهلاك، تمتلك ألمانيا خيارات مختلفة، كالطاقة النووية، الفحم أو الطاقة المتجددة، ولكن أيهم الأكثر واقعية لاستبدال الغاز الروسي؟
أزمة الغاز الروسي
مع اندلاع الأزمة الأوكرانية في شهر فبراير من العام الجاري، وجدت الدول الأوروبية نفسها أمام حقيقة واضحة، وهي أن الجانب الروسي يعد المورد الأكبر للغاز إلى القارة العجوز.
ومنذ بدء إعلان المفوضية الأوروبية عن حزم متكررة من العقوبات ضد روسيا، تسعى ألمانيا من جهة أخرى لإيجاد طريقة تقلل من خلالها الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي من موسكو.
وأعلنت البلاد تطبيق المرحلة الثانية من خطة الطوارئ ذات المراحل الثلاث لمواجهة النقص المحتمل للغاز خلال فترة الشتاء، والذي قد تطبق فيه ألمانيا زيادات على أسعار الغاز.
وبحسب موقع دويتشه فيلي، فقد تشمل المرحلة الثالثة من الخطة تقنين استهلاك الغاز.
المخاوف من نقص الغاز قد تهدد استمرار العمل بكثير من المصانع في ألمانيا.
في تقرير نشرته فينانشيال تايمز البريطانية، يقول الرئيس التنفيذي لشركة إس. كيه. دابيليو. أكبر منتج للأمونيا في ألمانيا، إن الشركة قد توقف الإنتاج بشكل كلي إذا توقفت إمدادات الغاز الروسية.
وكانت الأعين تراقب بقلق وحذر شديدين خط "نورد ستريم 1" الروسي، والذي توقفت إمدادات الغاز منه 10 أيام بسبب أعمال الصيانة، قبل أن تستأنف صباح اليوم الخميس.
أوراق بيد ألمانيا
الحلول المتاحة أمام الحكومة الألمانية ليست كثيرة، ويأتي على رأسها زيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال، ترشيد الاستهلاك، والتوسع في استخدام الفحم.
ويرى الحزب الديمقراطي الحر، وهو أصغر الأحزاب في الائتلاف الحاكم حاليًا، أن الحل يكمن في تشغيل محطات الطاقة النووية المتاحة بالبلاد لفترة أطول، بالإضافة إلى السماح باستخراج الغاز الطبيعي من خلال تقنية "التكسير الهيدروليكي" المحظورة حاليًا.
الطاقة النووية
ويعمل لدى ألمانيا 3 محطات للطاقة النووية في الوقت الحالي، ومن المقرر إيقافهم عن الخدمة بنهاية العام الجاري، كخطة تطبقها البلاد للابتعاد عن الطاقة النووية.
وتقول رابطة صناعة الطاقة النووية في ألمانيا إن شراء قضبان الوقود للمحطات النووية أمر ممكن، إلا أن أقرب موعد متاح لذلك سيكون في خريف عام 2023.
وتؤكد الرابطة إمكانية عمل المحطات النووية خلال فترة الشتاء ولكن بقدرات توليد محدودة.
ويشير عضو معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية في ألمانيا، برونو برغر، إلى مشكلة أخرى، وهي أن بلاده تستورد 20 بالمئة من اليورانيوم لتشغيل المحطات النووية من روسيا، وتستورد نسبة مماثلة من كازاخستان، وهي الدولة التي تقع تحت النفوذ الروسي أيضًا.
وتعد الطاقة النووية التي تولدها ألمانيا حاليًا قليلة نسبيًا مقارنة بالمصادر الأخرى، حيث بلغت طاقة التوليد للمحطات النووية الحالية 34.5 تيراواط ساعة في عام 2021، وبالمقابل، بلغت طاقة التوليد من محطات الرياح 113 تيراواط ساعة، أي أن طاقة الرياح تولد 3 أضعاف ما تولده الطاقة النووية.
تقنية "التكسير الهيدروليكي"
تنتج ألمانيا نحو 5 بالمئة من احتياجاتها من الغاز محليًا، وذلك عن طريق استخدام تكنولوجيا الحفر في رواسب الأحجار الرملية.
وبسحب المعهد الفيدرالي الألماني للغاز الطبيعي والبترول والطاقة الجيولوجية، تمتلك ألمانيا احتياطات تقدر بنحو 32 مليار متر مكعب من الغاز، ما يمكنها من توليد نحو 320 تيراواط ساعة من الطاقة.
احتياطيات الغاز لدى ألمانيا تقع في طبقات من صخور الفحم بباطن الأرض، كما أن الجزء الآخر يقع في طبقات من الصخور الطفلية.
المعهد أكد أن عملية استخراج الغاز ممكن من خلال تقنية التكسير الهيدروليكي، إلا أنها تعد تقنة "مُلوثة للبيئة" وللمياه الجوفية، كما أن نحو 5 بالمئة من الغاز المستخرج يتسرب إلى الغلاف الجوي، ما يزيد من مشكلة الاحتباس الحراري.
وبالتالي، فقد منعتها السلطات في البلاد، فضلاً عن أن التوسع في استخدامها لن يساهم في توفير الغاز إلا خلال 4 أو 5 سنوات.
طاقة الرياح
في شهر أبريل الماضي، تقدمت الحكومة الألمانية بخطة طموحة للتوسع في توليد الكهرباء من طاقة الرياح، كما أن هناك مشروعات قيد الموافقة الحالية تسمح بتوليد 10 آلاف ميجاواط من الطاقة.
ووفقًا لفرانك جرونيزن من جمعية طاقة الرياح الألمانية، تستغرق عملية توليد الكهرباء من كل توربين نحو 6 سنوات
وبالتالي فلا يوجد ما يكفي من التوربينات لتوليد الكهرباء الكافية من طاقة الرياح بحلول خريف العام الحالي.
الفحم
ذكر تقرير للمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية أن استبدال إمدادت الطاقة الروسية أمر ممكن على المدى القصير إذا تم استخدام الفحم.
وبحسب دويتشيه فيلي، لا تزال محطات توليد الطاقة عن الفحم محفوظة، ويمكن إعادة تشغيلها.
ودعت وزارة الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي في ألمانيا مشغلي محطات الطاقة الاستعداد بالفعل لدء العمليات بتلك المحطات.
ويمكن لألمانيا توليد طاقة تتراوح بين 41 تيراواط ساعة وحتى 73 تيرواط ساعة من طاقة الفحم خلال عام 2023، إلا أن قدرة التوليد ستنخفض بشكل كبير في وقت مبكر من 2024.
توفير الاستهلاك
توفير استهلاك الطاقة هو الحل الأول في كافة الخطط المتاحة لدى ألمانيا، إذ تتفق العديد من الجهات في البلاد على أن تعويض حصة روسيا من الغاز بالكامل أمر غير ممكن.
وذكر التقرير أن قطاع التجارة والخدمات يمكن أن يوفر نحو 10 بالمئة من استهلاك الطاقة، كما يمكن للأسر توفير نحو 15 بالمئة من استهلاكها.
ودعا المعهد الألماني للأبحاث الحكومة لتنفيذ إجراءات سريعة تهدف لزيادة كفاءة استهلاك الطاقة وتسهيل التحول إلى المصادر المتجددة للتدفئة، جنبًا إلى جنب مع المضخات الحرارية لتدفئة المنازل بدلا من استخدام الغاز.