بينما تعاني جميع مناحي الحياة الاقتصادية في أفغانستان من شبه شلل تام، باتت التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون الأفغان في الخارج، تشكل شريان الحياة بالنسبة للمواطنين في الداخل.
وفقد ملايين الأفغان مواردهم المالية الشهرية بشكل تام، وتحديدا قرابة مليوني موظف وأفراد في الجيش والأجهزة الأمنية، والذين يشكلون مع عائلاتهم أكثر من عشرة ملايين أفغاني، هم قرابة ثلث سكان البلاد، يُضافون إلى ثلث آخر ممن كانوا يعيشون تحت خط الفقر أساسا، حتى في مرحلة ما قبل سيطرة "طالبان" على الحكم.
ووفق إحصائيات نشرتها وزارة الداخلية الأفغانية، فإن قرابة ستة ملايين أفغاني يعيشون في الخارج، مليونان منهم في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي، فيما يعيش قرابة مليون في دول منطقة الشرق الأوسط.
ولم تتوقف الخدمات البنكية في أفغانستان إلا لأيام قليلة، لكنها حينما عاودت تقديم خدماتها، فإنها لم تتمكن من الاستجابة لكل طلبات السحب، بسبب تجميد أميركا لأموال البنك المركزي الأفغاني، التي كانت تقدر بحوالي عشرة مليارات دولار.
كما أوقف صندوق النقد الدولي كافة اشكال التمويل السابقة لأفغانستان، مما أحدث أزمة سيولة في البلاد، بحيث صار ملايين الأفغان غير قادرين على سحب مدخراتهم.
وبحسب نتائج المسح الوطني للظروف المعيشية الذي نفذته الحكومة الأفغانية، فقد شهد العام 2020 تحويل المهاجرين الأفغان لحوالي 800 مليون دولار إلى الداخل بشكل رسمي، عن طريق البنوك وشركات التحويل العالمية، إضافة إلى قرابة نصف ذلك المبلغ عبر التحويلات غير الرسمية، ومما ينفقه المغتربون أثناء زياراتهم للبلاد.
وأكد المسح أن 10 في المئة من الأسر الأفغانية كانت تعتمد على تحويلات المغتربين لقضاء شؤون حياتهم، من مأكل وسكن وطبابة.
ويتوقع مراقبون أن تتضاعف هذه التحويلات خلال العام الحالي، بسبب تضاعف الأفغان المحتاجين لمعونات مالية شهرية إلى خمسة أضعاف على الأقل.
مخاوف شركات الصرافة
ثمة تردد يصيب شركات التحويل العالمية، مثل "ويسترن يونيون" و"موني جرام"، بسبب مخاوفها من إمكانية الاستيلاء على أنظمة التحويل الخاصة بها.
ونتيجة لذلك فإن عمل شركات التحويل غير الرسمية صار مضاعفا خلال الأيام الماضية، علما أن عددها يقدر بحوالي 900 شركة محلية لديها شركاء في مختلف دول العالم، هذا إلى جانب السماسرة، الذين يملكون أموالا داخل البلاد، ويسعون إلى تحويلها للخارج.
وفي هذا السياق، نشرت الباحثتان مارينا مانكي وديبالي فرنانديز، تقريرا في الموقع الرسمي لمركز تحليل بيانات الهجرة العالمي التابع للمنظمة الدولية للهجرة، ركزتا فيه على المهام الواجبة على منظمة الأمم المتحدة والشركات الدولية للتحويلات المالية، لتقليل الضغوط الاقتصادية على الطبقات الاجتماعية الأكثر حاجة، ومنح الأفغان بعض الاستثناءات.
وأشار التقرير إلى أنه لو عملت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية مع منصات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول في أفغانستان، لتم توزيع الأموال النقدية بسرعة وأمان.
وعن أهمية التحويلات المالية للمغتربين الأفغان إلى داخل البلاد، قال الباحث والكاتب آراس فايق لموقع "سكاي نيوز عربية": "كانت تحويلات المغتربين الأفغان سابقا حوالي 4 في المئة من الناتج المحلي للبلاد، لكن من المتوقع أن تقفز إلى أكثر من 50 في المئة، مثلما حدث في تسعينيات القرن المنصرم".
وأضاف أن تيسير التحويلات المالية "سيلقى تشجيعا من مختلف الأطراف، لأنها ذات فائدة للجميع، الأفغان في الداخل وحركة طالبان، وحتى القوى الدولية، التي لا تريد التورط في تحويل أية أموال عن طريقة سلطات حركة طالبان".