جاءت السيطرة المباغتة لحركة طالبان على أفغانستان، لتثير التساؤلات حول إمكانية انفتاح الحركة اقتصاديا على العالم، وطبيعة النظام الاقتصادي الذي ستتبعه بعد وصولها المنتظر للحكم، الذي سيحدد بدوره شكل أفغانستان في المستقبل.
وكذلك أثار تصاعد نفوذ الحركة تساؤلات حول مدى تكيف طالبان مع البوصلة الاقتصادية العالمية، مقابل الحصول على تأييد أو اعتراف دولي بشرعيتها.
ويوضح خبراء ومحللين سياسيين أفغان أن هناك خيارات اقتصادية مطروحة بالفعل على الحركة، أبرزها الاعتماد على مخدر الأفيون، والاعتماد على قطاع التعدين، خصوصا معدن الليثيوم الذي يمثل أحد أدوات القوة بيد من يحكم البلاد، وبوابة لفتح آفاق اقتصادية جديدة للاندماج في العالم.
ويعتبر معدن الليثيوم، أحد أهم مصادر دعم صناعة الطاقة البديلة، وتستحوذ أفغانستان على كمية هائلة كشفتها المسوحات السوفيتية القرن الماضي، فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن أفغانستان بها ما يقرب من تريليون دولار من المعادن غير المستغلة.
يذكر أنه في وقت سابق الثلاثاء، أعلن الناطق الرسمي باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، أن أفغانستان ستتوقف عن إنتاج المخدرات بكافة أنواعها اعتبارا من اليوم، داعيا دول العالم للمساعدة لتكون لدى المزارعين المحليين إمكانية إنتاج محاصيل أخرى بدلا من الخشخاش، لكن تبقى الإجراءات على الأرض هي التي تحدد مدى التزام طالبان بذلك.
الليثيوم ينافس الأفيون
ويرى الباحث الاقتصادي عبد الرحمن أياس، أن استخدام طالبان المحتمل للمعادن النادرة، من بينها الليثيوم، ستحدده الشروط الدولية، وتوجهات الدول المتنافسة حول النفوذ هناك.
ولفت في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن خيارات طالبان الاقتصادية هي التي ستحدد درجة اندماجها في الاقتصاد العالمي، وهل ستقدم أوراق اعتمادها بالثروة المعدنية التي تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، أم ستواصل الاعتماد على تجارة الأفيون.
ومن المرجح أن تلجأ طالبان بعد توليها الحكم إلى استخراج الليثيوم وتصديره للخارج، غير أن هذه الخطوة تتطلب استثمارات لا تملكها الحركة أو أفغانستان حاليا، فضلا عن ضرورة وجود اعتراف دولي بشرعيتها وهو ما لم يحدث بعد، وربما لن يحدث بسهولة.
ويضيف الباحث الأفغاني: "لا أظن أن الغرب سيمد كابل في ظل حكم طالبان بتلك الاستثمارات، ويبقى الاعتماد على الاستثمارات الصينية؛ بحكم العلاقة القائمة بين بكين وطالبان، رغم انتقاد الحركة لقمع الصين لمسلمي الإيغور، لكن لا يمكن الجزم في هذه المرحلة بالسيناريو المقبل، وننتظر تبلور الأمور، وفهم السياسة الدولية التي ستتبعها الحركة".
هل يتراجع الأفيون؟
وتعد وأفغانستان كذلك أكبر مصدر للأفيون الذي يعد مصدر تمويل رئيسي لطالبان، وفي نفس الوقت تحتوي أرضها كمية ضخمة من الليثيوم، حسبما يوضح أياس، ويرجح أن يكون الليثيوم منافسا للأفيون في الاقتصاد الأفغاني.
وفي حين تقدر قيمة الليثيوم، وهو من المعادن النادرة الضرورية لصناعة البطاريات، بحوالي تريليون دولار، بحسب أياس. ويعتقد بأن عوائد تصدير الأفيون تقترب من 1,2 مليار دولار سنويا.
ويقول مكتب الأمم المتحدة إن المزارعين الأفغان باعوا عام 2017 أكثر من 9900 طن من المادة المخدرة بقيمة 1.4 مليار دولار.
ويقفز هذا الرقم، الذي يمثل 7 بالمئة من الناتج المحلي الكلي، إلى 6.6 مليار دولار في حال احتسب الاستهلاك المحلي، وقيمة المخدرات المصدرة، والمواد الكيماوية المستوردة.
وأفاد مسؤولو الأمم المتحدة أن طالبان ربحت على الأرجح أكثر من 400 مليون دولار بين عامي 2018 و2019 من المخدرات.
ونقل تقرير المفتش العام الأميركي الخاص لأفغانستان (SIGAR) في مايو 2021، تقديرات بأن الحركة تجني 60 بالمئة من عائداتها السنوية من المخدرات.
باب للشرعية
ويشير المحلل السياسي الأفغاني شريف هوتاك، إلى أن الليثيوم سيكون أحد الأدوات الاقتصادية المحتملة بيد طالبان كباب للاندماج في الاقتصاد العالمي، والحصول على اعتراف دولي بشرعية وصولها للحكم قريبا.
وعن تأثير استخراج المعادن على الصراع الدولي حول أفغانستان، يلفت هوتاك في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الليثيوم وباقي الثروات المعدنية التي تقدر بتريليونات الدولارات في أفغانستان، تدخل كعناصر أساسية في الصناعات الحديثة من الدواء للإلكترونيات والأقمار الاصطناعية والطائرات، وبإمكانها تحويل أفغانستان إلى مركز عالمي للتعدين.
ويوضح المحلل الأفغاني أن من المعادن الأخرى التي تزخر بها البلاد، النيوديميوم والسيريوم اللانثانم وعروق الألمنيوم والزئبق، مما سيفاقم من حالة التنافس بين أميركا والصين وروسيا، سواء في التنافس السياسي أو الحرب التجارية حول ثروات أفغانستان.