فجرت صفقة مشبوهة في قطاع الكهرباء بليبيا، غضب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بينما تحرك البرلمان فحدد الثلاثاء المقبلة موعدا لمسائلة الحكومة.
وأتت هذه التطورات في ظل احتجاجات خرجت في ليبيا، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق عدة، ومن بين هذه المناطق بلدية العزيزية جنوب طرابلس، حيث يصل إلى انقطاع التيار إلى 12 ساعة يوميا.
وبلغت مصروفات خصصت لشركة الكهرباء في ليبيا خلال 8 سنوات نحو 23.5 مليار دولار، وهو رقم كبير للغاية، يضاف إلى ذلك تقارير ديوان المحاسبة عن ضخامة حجم "السرقات".
وكان التعاقد مع شركة "وهمية" في المغرب لتوريد مستلزمات محطات الكهرباء، القطرة التي أفاضت الكأس.
وخلال اجتماعه مع مسؤولي الشركة، حذر الدبيبة مسؤولي الشركة العامة للكهرباء من التعاقد مع شركة وهمية لا وجود لها في المغرب، قائلا إنه يتعين على المسؤولين بالشركة مراجعة كافة التعاقدات التي أبرمتها مع شركة توريدات معدات البينة التحتية والتعاقد مع شركات عالمية.
وبرر تحذيراته بأن القيمة المالية لإتمام الصفقة والتي تقدر بنحو 42 مليون يورو، تحتم على الجميع التعاقد مع شركات معروف عنها الالتزام بتنفيذ تعهداتها وتوريد ما يطلب منها في المدة الزمنية المقررة وفقا للعقد المبرم بين الدولة الليبية كطرف أول وبين الشركة كطرف ثان.
ووجه حديثه لرئيس مجلس إدارة الشركة، وئام العبدلي، متسائلا عن كون الأخير أرسل بعثة من بعض المختصين للتأكد من وجود الوحدات الكهربائية التي تعاقد على جلبها من الشركة المزعومة، وهو ما نفاه العبدلي.
ولذا؛ شدد على ضرورة إيقاف الطريقة التي تتم بها هذه الصفقات وكذلك طريقة اختيار الشركات التي يتم التعاقد معها، واصفا ما يحدث بـ"البزنسة"، مستدلا على ذلك بأنه سأل بعض المسؤولين في المغرب عن هذه الشركة فأكدوا عدم وجودها داخل الأراضي المغربية.
وتوعد الدبيبة مسؤولي الشركة بالعقاب في حال عدم تنفيذ تعهدات هذه الشركة المغاربية قائلا: " والله لن أرحم أحد إذا كان في غش، أو أن يقول أحد هذه الشركة المغاربية نصابة نصبت عليكم".
مخالفات الشركة في العقود السابقة
وبدوره، كشف الباحث الاقتصادي، عيسى رشوان، عن مخالفات مالية كبيرة للشركة العامة للكهرباء قدرت بنحو 23.5 مليار دولار مصروفات خلال الفترة من 2012 وحتى عام 2020.
وضرب رشوان لموقع "سكاي نيوز عربية" مثلا بتقارير ديوان المحاسبة من عام 2014 وحتى 2018 التي رصدت حجم "السرقات"، وكيف أنها تتكرر بنفس الصورة، مؤكدا أن هناك ما يقرب من 13 مليار دولار تم سرقتهم خلال هذه الفترة عبر إبرام تعاقدات مع شركات وهمية.
كذلك أشارت تقارير ديوان المحاسبة إلى أشخاص تم تعيينهم بناء على درجة قرابتهم ببعض المسؤولين السابقين، وثبت أنهم يتلقون أكثر من راتب حكومي بالمخالفة للقانون.
وحول تحذيرات رئيس الحكومة لمسؤولي الكهرباء، بأن الشركة التي تعاقدوا معها ليس لها وجود في المغرب، أوضح رشوان أن الصفقة التي تم التعاقد عليها تم توريدها بالفعل منذ عامين؛ لأن التعاقد الأول تم مع شركة وهمية ولم يتم توريدها من الأساس.
ومن جهته، وضع سعيد أمغيب، عضو مجلس النواب، تفشي الفساد كأحد أبرز أسباب مشكلة انقطاع الكهرباء في البلاد، مؤكدا أنه كذلك أعاق عمل الحكومات المتعاقبة بعد 2011، ولم يمكنها من تطوير الشبكة وصيانتها، إضافة إلى عدم اهتمام هذه الحكومات بالعمل على استحداث طرق بديلة للحصول على الطاقة الكهربائية.
أما عن الحل، فلفت أمغيب في حديثه لموقع"سكاي نيوز عربية" إلى أنه لا يتطلب نفقات مالية كبيرة، وإنما اهتمام وشخصيات وطنية لا تهتم بعقد صفقات "مشبوهة"، غير أنه يلزم عدم انتظار نتائج مكافحة الفساد، ولكن ليبيا تحتاج إلى "حلول سريعة ولو بشكل مؤقت"، ومنها استيراد الكهرباء من مصر للمنطقة الشرقية، ومن الجزائر أو تونس للمنطقة الغربية.
البرلمان يستجوب الحكومة
وعن سبب ضعف دور مجلس النواب في حل أزمة الكهرباء وتفشي الصفقات "المشبوهة" يقول النائب أمغيب إن الدور الرقابي للبرلمان يغيب وراء حالة الانقسام التي تضرب مختلف المؤسسات السيادية؛ فهناك ديوان رقابة في طرابلس وآخر في البيضاء، والمجلس الأعلى للدولة- الذي يقوده الإخواني خالد المشري- يعرقل تسمية المناصب السيادية.
غير أنه صرح بأن البرلمان دعا الدبيبة للحضور الثلاثاء المقبل، على أقصى تقدير، للمساءلة في نقص بعض الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء.
وكان مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام المستشار، الصديق الصور، أصدر أمرا بضبط وإحضار عدد من مسؤولي الشركة العامة للكهرباء وإحالتهم للنائب العام؛ للتحقيق في تهم تتعلق بالتقصير في حفظ وصيانة المال العام، بناء على خطاب أرسله خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة لمكتب النائب العام يتضمن ملفا كاملا عن ما دون باعتباره إهمالا متعمدا يرقى إلى جرائم جنائية.
وأنفقت الحكومة الليبية الجديدة التي تولت مهامها مارس الماضي أكثر من 900 مليون دينار على قطع غيار المحطات والوحدات المولدة للطاقة، وأبرمت عقودا من بعض الدول المجاورة لها لمدها بالكهرباء، إلا أن عمليات السرقة والهجمات المتتالية على المحطات فاقمت الوضع.