في ختام مشاورات المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بشأن الوضع مع تونس لعام 2021، خلص صندوق النقد الدولي عقب اجتماع الجمعة في العاصمة الأميركية واشنطن إلى أن جائحة كوفيد-19 ألحقت ضررا بالغا بتونس وأدت إلى هبوط اقتصادي غير مسبوق.
وتشير الأرقام إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 8.2% في عام 2020، وهو أكبر هبوط اقتصادي شهدته تونس منذ الاستقلال.
وسجل عجز المالية العمومية في البلاد ومستوى الدين العام ارتفاعا حادا في عام 2020 مع تقديرات بارتفاع الدين العام المركزي إلى قرابة 87% من إجمالي الناتج المحلي، فيما قفزت معدلات البطالة إلى 16.2% ما أجج الاحتجاجات الاجتماعية.
هذا وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتعافى نمو إجمالي الناتج المحلي في تونس مسجلا 3.8% في عام 2021 مع بدء انحسار آثار جائحة كورونا على البلاد.
وأوصى صندوق النقد الدولي بالنظر إلى تردي الأوضاع المالية في تونس بضرورة خفض العجز المالي، وإجراء الإصلاحات المالية العمومية اللازمة، ومنها خفض الأجور والحد من دعم الطاقة وتنفيذ إصلاحات داخل المؤسسات العمومية.
وأشار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى ضرورة تركيز جهود الإصلاح في تونس على إلغاء الاحتكار، وإزالة العقبات التنظيمية، وتحسين بيئة الأعمال.
توصيات تبدو منسجمه مع ما جاء في غضون هذا الأسبوع في تقرير منظمة "موديز" للتصنيف الائتماني التي منحت تونس تصنيف "3B سلبي" مع قيد المراجعة نحو التخفيض، وهو تصنيف يعكس ضعف الحكومة في تنفيذ التعديلات المالية وإصلاح القطاع العام ما من شأنه أن يحقق الاستقرار.
وأكدت "موديز" في بيان لها أن توقعاتها المستقبلية السلبية بشأن تونس هي نتيجة "مخاطر الهبوط المتعلقة بالتأخير في التفاوض وتنفيذ برنامج ممول من صندوق النقد الدولي ما يزيد الشكوك بشأن قدرة الحكومة على تأمين الوصول المستمر إلى مصادر التمويل الخارجية الرسمية والحفاظ على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية بشروط ميسورة من أجل تلبية متطلبات التمويل المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة".
وعلقت الكاتبة المختصة في الاقتصاد والتنمية جنات بن عبد الله بأن تونس تبدو في حالة إفلاس غير معلنة لا يمكن تجاوزها إلا بتغيير منوال التنمية حسب استحقاقات الشعب التونسي وبعيدا عن أجندات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
وبخصوص توصيات صندوق النقد الدولي أوضحت بن عبد الله لموقع سكاي نيوز عربية بأنها توصيات لم تتغير منذ الثمانينات رغم تغير المعطيات الدولية والجيوسياسية ورغم التقدم في تطبيق اتفاقيات المنظمة الدولية للتجارة والتقدم في مراحل تحرير الاقتصاديات النامية التي تضررت قطاعاتها المنتجة كما هو الحال في تونس.
وأكدت أن تونس تفتقر إلى القدرات الإنتاجية التي تسمح بتموقعها في الأسواق العالمية مما يحولها إلى مورد ويدمر قطاعاتها المنتجة وهو ما يشهده الاقتصاد التونسي، الذي تعاني قطاعاته المنتجة من صعوبات في التمويل والنفاذ إلى البنوك بسبب ارتفاع نسبة الفائدة المديرية بمقتضى قانون استقلالية البنك المركزي الذي فرضته توصيات صندوق النقد الدولي على تونس منذ عام 2016.
وبدوره أثر تدهور القطاعات المنتجة على موارد الدولة الجبائية وجعلها تخضع لشروط الصندوق في سياسة التقشف في نفقات التنمية وكل هذا لم يخدم صالح الاقتصاد الوطني بحسب المحالة.
كما ترى المختصة في الاقتصاد والتنمية أن الحلول الممكنة اليوم قد تتضارب مع توصيات صندوق النقد الدولي ومنها القطع مع سياسة التقشف لخلق ديناميكية في الاقتصاد، وترشيد التوريد، وتحسين الاستثمار في القطاع الخاص، وإنجاز المشاريع العمومية.
إصلاحات تراها جنات بن عبد الله مرتبطة بحكومة وطنية لا حزبية تخوض تفاوضا على أساس الأولويات التنموية في تونس مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
من جهة أخرى رأى الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن صندوق النقد الدولي اعتبر الوضع في تونس صعبا جدا خاصة بعد تصنيف وكالة "موديز" السلبي، ووضح أن على تونس إذا كان في نيتها دخول مفاوضات جديدة مع الصندوق أن تلتزم بالتوصيات، فكل دولة تدخل السوق المالية للاقتراض لا بد أن تلتزم ببرنامج عمل موثق مع الصندوق الذي يعتبر الملاذ الأخير لأي دولة وفق تقدير الخبير الذي دعا إلى ضرورة التحكم في التضخم المالي واعتماد سياسة صرف مرنة، مشيرا إلى أن الاقتصاد التونسي يمر بصعوبات بينما ينتعش الدينار التونسي بسبب تدخلات البنك المركزي في سوق الصرف مما شجع الواردات وأضر بالاقتصاد.
وأكد سعيدان في تصريح للموقع أن الأمل في إنقاذ الاقتصاد مازال قائما غير أنه مشروط باستقرار الوضع السياسي وبحكومة قوية لها رؤية إصلاح واضحة وشجاعة، مذكرا بأن تصنيف "موديز "وضع ثمانية أسباب لتقهقر الاقتصاد التونسي ستة منها سياسية، حيث تعتبر التهدئة السياسية أول الشروط لتحسن الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد.
واتفق رئيس كونفدرالية المؤسسات طارق الشريف مع هذا الطرح حيث لا يرى إمكانية تنفيذ إصلاحات اقتصادية في تونس بمعزل عن الاستقرار السياسي.
واعتبر الشريف في حديثه للموقع أن توصيات صندوق النقد الدولي ليست بالجديدة ويدركها كل الفاعلين الاقتصاديين وأن التحدي الذي تواجهه تونس هو الالتزام بالإصلاحات مع ضرورة تحديد طريقة تفعيلها وتوقيتها، وتبدو رهينة هدوء الوضع السياسي حتى يتعافى الاستثمار الوطني والخارجي وتتمكن تونس من خلق الثروة ومواطن الشغل وحوكمة المؤسسات العامة.
الجدير بالذكر أن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أصدر بيانا مشتركا مع الاتحاد العام التونسي للشغل عبر عن الانشغال بانحدار التصنيف السيادي لـتونس وما قد يترتّب عنه من تداعيات من بينها عدم قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها المالية، واعتبرا أنّ الأزمة السياسية ساهمت في هذا التخفيض الذي ستكون كلفته عالية على الاقتصاد الوطني وعلى التونسيين.