أثار ارتفاع أسعار زيوت المائدة النباتية في المغرب موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تفاجأ المغاربة هذا الأسبوع بزيادة وصفها البعض بـ"الصاروخية" في ثمن هذه المادة الأساسية.
وزاد السعر بـ10 دراهم دفعة واحدة (حوالي دولار واحد) في قارورة سعة 5 لترات، بمحلات البقالة والمتاجر الكبرى.
ودفعت هذه الزيادة في الأسعار التي طبقتها جميع الشركات باختلاف تسمياتها، البعض للمطالبة بمقاطعة زيوت المائدة، كوسيلة للاحتجاج على هذه الخطوة غير المتوقعة، والضغط على أرباب هذا القطاع ليتراجعوا عن قرار الزيادة، مع دعوة الحكومة للتدخل من أجل حماية المستهلك وضبط الأسعار.
ويعد زيت المائدة مادة أساسية يستهلكها المغاربة بشكل كبير، حيث تدخل في إعداد مختلف أطباقهم اليومية، ويزداد الإقبال على استهلاكها أكثر خلال شهر رمضان.
حماية المستهلك
ويقول الكاتب العام للجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، وديع مديح، إنه في إطار السياسة الاقتصادية المنفتحة التي ينتهجها المغرب، فإن "المعيار الأساسي لتحديد الأسعار هو المنافسة الحقيقية في السوق".
ويشدد مديح، على أن الاتفاق حول زيادة الأسعار بشكل موحد من قبل المصنعين، "يعد أمرا منافيا للمنافسة الشريفة ويدخل ضمن طرق العمل الملتوية".
ومن هذا المنطلق يعتبر وديع في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "إذا تبين أن هناك اتفاق مسبق وضمني بين الموردين للزيادة في سعر هذه المادة، فإن ذلك يعد مخالفا لمبدأ المنافسة الشريفة، ويتوجب على مجلس المنافسة في هذه الحالة فتح تحقيق في الموضوع".
ويضيف أن هذا الارتفاع يأتي في ظرف اقتصادي خاص تشهده المملكة على غرار العديد من دول العالم، بسبب تداعيات فيروس كورونا التي طالت القدرة الشرائية للمواطنين، وفي فترة لا تفصلنا فيها سوى أيام عن شهر رمضان، الذي يزداد فيه الاستهلاك والإقبال على مختلف المنتجات، وفي مقدمتها زيت المائدة.
وأمام هذا الوضع، يشدد المتحدث على ضرورة تدخل الحكومة من أجل اتخاذ قرارات لتخفيف الضغط على المستهلكين وتقنين الأسعار، التي قد يؤثر ارتفاعها على جيوب المواطنين، مشيرا إلى أن قانون حرية الأسعار والمنافسة يمنح الحكومة صلاحية التدخل من أجل ضبط الأسعار في ظرف 6 أشهر، يمكن أن تجدد مرة واحدة.
تقلبات السوق العالمي
وفي ظل غياب توضيحات من طرف الشركات المصنعة حول الأسباب وراء هذه الزيادة في سعر زيت المائدة، يقول مديح إن أسعار المواد الأولية التي تدخل في تصنيع الزيت "تخضع لمنطق الطلب والعرض في السوق العالمية، مما قد ينعكس على أسعار البيع في المغرب".
من جهة أخرى، يستغرب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، عدم تدخل الحكومة من أجل دعم هذه المادة الأساسية، على غرار ما قامت به قبل أشهر، عندما أقدمت على دعم الحبوب.
ويطالب الخراطي في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، بالتراجع عن هذه الزيادة، "حتى لا يتم تقديم المستهلك قربانا، بسبب المضاربات وتقلبات السوق العالمي".
كما يحبذ "لو تم إعلام المستهلكين والتواصل معهم قبل الشروع في فرض هذه الزيادة المرتفعة، من خلال توضيح أسبابها ودوافعها، ووضعهم في السياق العام الذي قد تفرضه تقلبات السوق العالمية، بعيدا عن منطق الربح، بدل مفاجأتهم بالزيادة دون سابق إنذار".
تشجيع الإنتاج المحلي
وينص القانون الخاص بحرية الأسعار والمنافسة في المغرب في مادته الثانية، على تحديد أسعار السلع والمنتجات والخدمات عن طريق المنافسة الحرة، فيما تنص المادة الرابعة منه على اتخاذ الإدارة وبعد استشارة مجلس المنافسة، تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض "فاحش" في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثية عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين.
ويعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد ياوحي، أن أي تحكم في الأسعار أو اتفاق حول الزيادة بشكل موحد، ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمستهلكين.
ويقول ياوحي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "زيادة 10 دراهم على سعر قارورة زيت المائدة بسعة 5 لترات، ودرهمين في قارورة اللتر الواحد، لمادة أساسية بالنسبة للعائلات المغربية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية، يستوجب تدخل عاجل لمجلس المنافسة من أجل إعداد تقرير حول الموضوع".
كما أن حجم هذه الزيادة، حسب الباحث الاقتصادي، تستدعي تعيين لجنة برلمانية من أجل البحث والاستقصاء، لإثبات ما إذا كان سببها الفعلي هو زيادة الأسعار في السوق العالمية.
وإن تبين بعد البحث أن السبب وراء ارتفاع أسعار زيت المائدة يعود إلى ارتفاع المواد الأولية المستوردة من المصدر، فإن على الحكومة حسب الياوحي، أن "تعمل على تسخير جزء من الفلاحة الوطنية وتوجيهها نحو زراعات يتم استثمارها في إنتاج الزيوت محليا وتسويقها بأسعار تناسب القدرة الشرائية للمستهلك المغربي".