في معركة أسعار السيارات التي اتخذت منحى تصاعديا في مصر مع انتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لا يزال كل طرف متمسكا بموقفه، ففي حين تعتبر حملة "خليها تصدي" أنها أجبرت الوكلاء على بعض التخفيضات "غير الكافية"، تنفي شركات السيارات أي أثر للحملة وتعتبرها "معزولة عن الواقع".
وتواصل مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي ترفع شعار "خليها تصدي" في حملة لا هوادة فيها، ضد ما يصفونه بالأسعار الخيالية للسيارات في مصر، مرجعين ذلك بشكل أساسي إلى جشع تجار السيارات الذي يضعون هامش ربح مبالغا فيه، على حد قولهم.
ويقول مرتضى شاذلي أحد مؤسسي حملة "خليها تصدي" لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الحملة أجبرت الشركات على تخفيض الأسعار بعدما شهدت سوق السيارات انخفاضا ملحوظا في الطلب.
ويوضح: "واقعيا، أصبح هناك ركود شديد، ولجأت الشركات إلى طرح تخفيضات كبيرة لحث الناس على الشراء، فيما وضعت البنوك تسهيلات وصلت إلى تصفير الفوائد على السيارات".
وذكر شاذلي أن التخفيضات تراوحت ما بين 10 آلاف جنيه إلى 40 ألف جنيه (ما يقترب من 1900 دولار) على السيارات الاقتصادية والمتوسطة، بينما بلغت التخفيضات في الفئات الفخمة ما بين 70 ألف جنيه (4 آلاف دولار ) إلى 150 ألف جنيه (8.6 آلاف دولار)".
الحملة مستمرة
وأكد شاذلي إن الحملة مستمرة حتى القضاء على كافة "الممارسات السلبية" في تجارة السيارات، مما سيؤدي إلى تخفيض الأسعار.
وذكر أن بعض وكلاء السيارات يتحصلون على أرباح تصل إلى 75 بالمئة من ثمن السيارة الأصلي، ويضيفون ما يعرف بـ"سعر الاستلام الفوري" على العملاء الراغبين في شراء سيارات موجودة بالفعل داخل المعرض، وهذه المصاريف غير قانونية لأنها لا تخضع للضرائب.
وقال إن "تخفيض نسبة من السعر الكلي ليس كافيا، ويجب إلغاء الممارسات والمصروفات غير القانونية".
وأوضح شاذلي أن هدف الحملة يتمثل في تحديد نسبة الأرباح على السيارات بنسبة لا تزيد عن 10 إلى 15 بالمئة بعد احتساب المصاريف التشغيلية والإدارية، بالإضافة إلى إلغاء تحميل المستهلكين الراغبين في تقسيط سياراتهم المصاريف الإدارية التي تصل 12 بالمئة ومصاريف التأمين التي تبلغ 6 بالمئة وذلك فوق الأرباح.
وتستهدف الحملة أيضا خفض أسعار قطع الغيار، وضمان أن تحتوي السيارات في فئتها القياسية على وسائل الأمان المتعارف عليها، مثل الوسائد الهوائية والمكابح المتقدمة مثل ABS وABD، قائلا إنها ضرورية في بلد يقع في صدارة الدول ذات الحوادث المرورية المرتفعة.
واعتبر شاذلي أن الحملة ساهمت في توعية الناس بحقوقهم فيما يتعلق بشراء السيارات، قائلا إن "الاستجابة واسعة للحملة، وهو ما نراه في تراجع الطلب على الشراء".
حجم المبيعات
ووفقا لبيانات من مجلس معلومات تسويق السيارات في مصر (أميك)، انخفضت مبيعات السيارات 42 بالمئة على أساس شهري في يناير، إلى 11 ألفا و460 سيارة، من 19 ألفا و804 سيارات في ديسمبر.
لكن على أساس سنوي، ارتفت مبيعات يناير 10.8 بالمئة، لكن ذلك أقل بكثير من متوسط زيادة شهرية على أساس سنوي بلغت 39.3 بالمئة من 2017 إلى 2018.
وتعد مصر سوقا ضخمة للسيارات، فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع عدد السيارات المرخصة 50 بالمئة إلى 9.9 مليون سيارة من عام 2012 إلى 2017، وذلك في بلد يتعدى تعداده 100 مليون نسمة.
"بعيدة عن الحقائق"
لكن ما يعتبره القائمون على حملة "خليها تصدي" نجاحا، تراه الشركات بعين أخرى وتعتبره غير مؤثر كون "الحملة لا تستند إلى معلومات دقيقة وبعيدة عن الحقائق"، بحسب سمير علام نائب رئيس شعبة وسائل النقل في اتحاد الصناعات المصري.
وقال علام لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن وكلاء السيارات لا يربحون هذه الأرقام "المبالغ فيها، والمعلومات الواردة في هذه الحملات مغلوطة تماما"، مشيرا إلى أن "كل ما يتحصل عليه الشركة المصنعة والوكيل لا يتعدى في المجموع 10 بالمئة بعد احتساب التكلفة".
وأوضح أن "تكلفة السيارة تتضمن بالإضافة إلى سعرها في المنشأ، رسوم الجمارك التي تصل تبدأ من 40 في المئة على السيارات الأقل من 1600 سي سي، وتتصاعد على حسب فئة الموتور، بالإضافة إلى 500 دولار متوسط الشحن و1 بالمئة قيمة التأمين، ثم يجري احتساب 14 في المئة كضريبة قيمة مضافة، ورسوم تنمية بنسبة 3.5 في المئة".
ويدخل ضمن تحديد السعر النهائي للسيارة مصاريف التشغيل، وتتغير على حسب حجم كل شركة وعدد مراكز الصيانة التي تملكها والعمالة التي تشغلها، بحسب علام الذي يؤكد أن ذلك "لا دخل له في نسبة الربح".
وقال علام إن السوق تأثرت في نوفمبر وديسمبر، بسبب انتظار المستهلكين تطبيق الحكومة لقرار إزالة الجمارك عن السيارات الأوروبية، أملا في الاستفادة من تخفيض أسعارها، ونفى أن تكون حملة "خليها تصدي" وراء هذا التراجع، مشيرا إلى أن شهري يناير وفبراير حققا زيادة عن مثليهما عام 2018.
حقيقة التخفيضات
وكشف علام الذي يمثل أيضا إحدى شركات تصنيع السيارات الكبرى في مصر أن التخفيضات التي طرحتها شركات السيارات كانت من تكاليف الإعلانات، قائلا إن بعض الشركات خضمت من ميزانية الإعلانات لصالح العروض الترويجية من أجل تحريك السوق.
وقال إن شركات السيارات لا تستطيع تخفيض نسبة الربح لأنها غير مرتفعة، بالإضافة إلى التزامها بمصاريف تشغيل العمالة والحفاظ أيضا على المكانة السعرية للسيارة.
ويستطرد علام: "هناك ضوابط رقابية عديدة على شركات السيارات بما يمنعها من وضع هوامش ربح غير معقولة، وإذا كانت الأرباح مبالغا فيها فإن الضرائب التي ستأتي على هذه الأرباح ستكون أيضا مرتفعة، ولا تريد أي شركة خسارة الزبائن لصالح شركات أخرى تبيع بأسعار أرخص".
وجهاز حماية المستهلك في مصر هو الجهة المنوط بها الفصل في النزاع بين المستهلكين والتجار سواء فيما يتعلق بتجاوزات الأسعار أو العيوب التصنيعية.
ويعتبر علام أن الجهاز هو الجهة الطبيعية التي يمكن أن يلجأ إليها المستهلك لمعرفة حقوقه، بدلا من الحملات التي "لا نعرف مصدرها ولا مصدر معلوماتها على مواقع التواصل الاجتماعي".
وفيما يتعلق بأسعار قطع الغيار، فإنها تخضع للعرض والطلب ومدى توفر هذه القطع بالإضافة إلى تكاليف تشغيل مراكز الصيانة، بحسب علام الذي أكد أن كل صانعي السيارات في العالم يحصلون على الجانب الأكبر من الأرباح من تجارة قطع غيار السيارات ومصاريف الصيانة، معتبرا ذلك "أمرا طبيعيا".