مرة أخرى يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تراجع سعر الليرة، فتتهاوى العملة المحلية أكثر وأكثر مقابل الدولار، محققة مستويات دنيا غير مسبوقة.
وكسر الدولار، الجمعة، حاجز الـ6 ليرات للمرة الأولى على الإطلاق، وسط تنبؤات بمزيد من الانهيار طالما ظلت مخاوف المستثمرين على حالها، بخلاف آثار ذلك داخليا على ارتفاع تكلفة شتى السلع المستوردة.
تصريحات أردوغان الأخيرة التي أدلى بها الجمعة، وتحدث خلالها عن "عدو مجهول" في "حرب اقتصادية" أحد أطرافها "لوبي معدلات فوائد" غامض، على حد تعبيره، أضفت مزيدا من عدم اليقين إلى العملة المحلية، وسط تشكيك بتأثير استجدائه للأتراك بتحويل مدخراتهم من العملات الأجنبية أو الذهب إلى الليرة التركية عبر البنوك.
ويعتقد أن تصريحات أردوغان الشعبوية التي خاطب بها الداخل التركي، عندما قال: "إن كانوا يملكون دولارات، فنحن لدينا شعبنا، لدينا الحق ولدينا الله"، من المستبعد أن تطمئن الأسواق التي ترى الليرة التركية تتراجع بشكل متواصل منذ أشهر.
ويشعر المستثمرون بالقلق من السياسات الاقتصادية لأردوغان، الذي فاز بفترة رئاسة جديدة في يونيو الماضي مع سلطات جديدة شاملة، علما أنه يمارس ضغوطا على البنك المركزي لعدم رفع أسعار الفائدة من أجل الاستمرار في تغذية النمو الاقتصادي، ويدعي أن المعدلات الأعلى تؤدي إلى ارتفاع التضخم، بعكس ما تقوله النظريات الاقتصادية.
وحسب المحلل الاقتصادي تشارلز روبرتسون الذي تحدث إلى "فاينانشال تايمز"، فإن "المستثمرين فقدوا الثقة في الثلاثي المتحكم في الاقتصاد التركي، الرئيس أردوغان وصهره وزير المالية براءة ألبيرق والبنك المركزي وقدرته على التصرف".
كما قالت الخبيرة الاقتصادية جين فولي إن تصريحات أردوغان الأخيرة غير المحسوبة "قلصت آمال السوق" بشأن نوايا الحكومة التركية تشديد السياسة النقدية أو بدء تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية.
وأضافت: "تركيا لديها عجز كبير جدا في الحساب التجاري، مما يجعلها مكانا غير آمن للمدخرين".
لكن تصريحات أردوغان التي تزيد الطين بلة بالنسبة للاقتصاد التركي، لا يمكن النظر لها بمعزل عن المحيط السياسي لتركيا، الغارقة في توتر متصاعد مع الولايات المتحدة بسبب احتجاز قس أميركي في أنقرة وخلافات دبلوماسية أخرى، فضلا عن الجغرافيا التي تضع تركيا وسط منطقة ملغمة بالحروب، باتت حكومة أردوغان طرفا في بعضها.
لذلك فإن الحل من وجهة كيت جوكيس المحلل لدى "سوسيتيه جنرال"، يكمن في قرارات اقتصادية ودبلوماسية متزامنة.
وقال جوكيس في تصريحات نشرتها "رويترز": "الأسواق تنتظر رد تركيا على أزمة سوق الصرف الأجنبي، وتأمل في مزيد من السياسة النقدية الموثوقة فضلا عن المبادرات الدبلوماسية. كلما طال انتظار السوق، زادت إمكانية اتساع نطاق الأزمة".
وألقت الأزمة المالية في تركيا بظلالها على أوروبا، وسط لهاث أنقرة إلى مزيد من التقرب والشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويشعر البنك المركزي الأوروبي بقلق متزايد بشأن انكشاف بنوك منطقة اليورو على تركيا، مما دفع أسهم بنوك للهبوط مع تدني الليرة.
وقالت "فاينانشال تايمز"، إن المركزي الأوروبي قلق بشكل رئيسي بشأن وضع بنوك "بي بي في إيه"، و"أوني كريديت"، و"بي إن بي باريبا"، علما أن البنوك الثلاثة لديها العمليات الأكبر في تركيا، رغم أن مساهمة الوحدات المحلية التابعة لها في إجمالي ميزانياتها متواضع نسبيا.