تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت لتؤكد المؤكد، وإن راعت عنوان "اللقاءات المهمة مع كبار المسؤولين في الجمهورية اللبنانية، في إطار التشاور حول مختلف التطورات والمستجدات"، إلا أن التشاور الأهم يبقى مع الحزب، لأنه المؤتمن الوحيد لتحصيل المكاسب السياسية التي تصب لمصلحة رأس محور الممانعة.. في حين يأتي التشاور مع ممثلي "الجهاد الإسلامي" وحركة "حماس" في المرتبة الثانية.
وهذه الزيارة تواكب نشاط الوفود الدولية، أو هي تُصوِّب المسار اللبناني بما يجب أن يكون عليه وفق رؤيتها للمفاوضات المتسارعة بغية التوصل إلى مخرج للمنطقة وإنهاء الحرب على غزة التي لم يعد ممكنا لجمها بعد عملية "طوفان الأقصى".
فالظاهر أن إيران لم تعد تكتفي بالبقاء في الظل في غمرة التطورات الحالية، ما يعني أن سلة متكاملة هي في طور التكوين على الرغم من قسوة الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تقف على مداخل رفح لترتكب مجزرة جديدة، حيث يلجأ حوالي مليوني فلسطيني مدني من أهالي غزة. ولبنان من ضمن هذه السلة، مع التشديد على أن التسوية لن تنضج تفاصيلها إلا على قياس الحزب ورأس محوره، حتى تصل إلى خواتيمها.
فالتفاوض الدولي الفعلي لترتيب الوضع اللبناني هو مع الحزب بصفته الأقوى والأقدر على تنفيذ الاتفاقات على الأرض بما يلبي طموح رأس محوره الإيراني، سواء في الشأن المتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة دورة الحياة السياسية وإنهاء الشلل الحالي في الإدارات، أو لجهة تطبيق القرار 1701 وتنظيم العلاقة مع إسرائيل وفق شروط فرضتها الحرب على حماس ومسارعة الحزب إلى تحريك الجبهة في جنوب لبنان دعما لحركة "حماس".
أو لعل المرحلة تتطلب التدخل المباشر، الذي لم يتوقف في الأساس، وإن حرصت إيران على نفي مسؤوليتها المباشرة عن كل ما يجري، فوزير الخارجية الإيراني يزور لبنان للمرة الثالثة منذ عملية "طوفان الأقصى" للتوجيه والإرشاد وضبط إيقاع العمليات العسكرية، بحيث لا ينفجر الوضع مهما كانت الضربات الإسرائيلية مؤلمة ومقلقة، وذلك بما يناسب والمصلحة العليا لرأس المحور الممانع.
فكل الحدة على الجبهات من القطاع إلى جنوب لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، تترافق مع الاتصالات الجارية اقليمياً ودولياً، بشأن الهدنة في غزة. والأهم أنها تترافق ومسارات التسوية أو التهدئة المقترحة. فقد أعلن عبد اللهيان أن المنطقة ستسير نحو السلام والاستقرار، ويدل على ذلك ما نمي عن "لقاءات أميركية/ايرانية، جارية هذه الايام في سلطنة عمان وبشكل مباشر، وبوساطة سويسرية عندما يلزم".
وفي حين يمكن التسليم بأن إسرائيل لا تريد القضاء على "حزب الله"، وإنما إبعاده حتى شمال الليطاني، وليفعل في لبنان ما يشاء بعد ذلك، إلا أن الأمر ليس مشابها عندما يتعلق الأمر بحركة "حماس". لذا يتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تطويق الحركة في رفح حيث مربعها الأخير، مراهنا على صمت دولي متواصل، على اعتبار أن القضاء على "حماس"، يريح الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إعادة إحياء البحث في حل الدولتين.
وهذا الرهان، إذا ما تم ربطه بزيارة عبد اللهيان للقاء الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصر الله، وتشديده على ضرورة تجنب الحرب والتصعيد، مهما بلغت الاستفزازات الإسرائيلية، يدل على أن في الصفقة التي يتم بحث تفاصيلها ستقدم حركة "حماس" قربانا على مذبحها، ربما ستقبل به إيران، شرط صون نفوذها ونفوذ درة تاجها في لبنان.. بعدما قامت الأذرع الإيرانية في المنطقة بما يتوجب عليها عسكريا، وبالتالي تصبح علامات طريق التفاوض واضحة، وإذا ما تم التوافق عليها إقليميا ودوليا، حتى بعد مزيد من الضربات الإسرائيلية الموجعة، ستكون الطريق مفتوحة وفق ما أعلنه عبد اللهيان من لبنان.