بالتالي، لم تتغير المعطيات الإسرائيلية لاستمرار هذه الحرب بعد مرور 100 يوم على اندلاعها، وإن تغيرت استراتيجياتها، ما دام نتنياهو لا يملك إلا الحرب ليهرب من المواجهات التي تنتظره ليصار إلى محاسبته، وما دامت الولايات المتحدة تعطي لإسرائيل "الحق بحماية شعبها من خطر إرهاب قد يتكرر في غزة"، وفق ما صرح ويصرِّح مسؤولون أميركيون.

هؤلاء المسؤولون أنفسهم لا يوفروا جهدا لمنع توسع الحرب باتجاه لبنان. يعتمدون سياسة العصا والجزرة في تعاملهم مع "حزب الله" عبر المسؤولين اللبنانيين، فينقلون التهديدات الإسرائيلية بتحويل البلد بأسره إلى "غزة ثانية"، ويلمِّحون إلى أن الحرب على لبنان شر لا يمكن تجنبه، ما لم يتم تطبيق القرار 1701 وفق المنظور الإسرائيلي. ومن ثم يسارعون إلى تقديم عروض لترتيب مسألة الحدود بين البلدين وصولا إلى تثبيتها وانسحاب اسرائيل من 13 نقطة متنازع عليها، ويُفترض أن ترضي "حزب الله"، وهو المصنف لديهم، كما حركة "حماس"، منظمة إرهابية. ويطرحون أفكارا جدية ومغرية يمكن أن تقود إلى خريطة طريق، وإن غير مكتملة.

لكن الحزب لا يرضى، ولن يرضى ببحث أي من هذه العروض قبل وقف إطلاق النار الشامل على غزة. هذا ما أعلنه أمينه العام. وهذا ما صرحت به الحكومة اللبنانية واضعة بالتالي القرار 1701 خارج الخدمة، وأي بحث لتطبيقه لم يعد مجديا ويتناقض مع "عروبة لبنان ومبادئه" على ما قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وفي الأمر ما يعيدنا إلى مرحلة الوصاية السورية على لبنان، وتحديدا قبل انسحاب إسرائيل من جنوبه عام 2000. آنذاك كان السياسيون اللبنانيون ممن يدورون في الفلك السوري، يحرصون في تصريحاتهم وخطاباتهم على لازمة تقضي بربط القرار 425 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية بوحدة المسار والمصير مع السلطة السورية.

واليوم، التاريخ يعيد نفسه، والحكومة اللبنانية تقف خلف محور الممانعة، وتربط القرار 1701 بوحدة المسار والمصير مع القضية الفلسطينية ككل، وفق أجندة هذا المحور الذي يتحرك من اليمن، إلى العراق، فلبنان، لتشل الحياة السياسية اللبنانية، وترهن مصير لبنان لما سوف تنتجه المعادلات الإقليمية، وبشروط رأس المحور الإيراني ومصالحه وأطماعه ونفوذه، لأنه سيتولى المفاوضات ويقدم التعهدات بوقف العمليات الحربية لأذرعه، عندما تستوي الصفقات.

وتتزامن هذه التطورات مع دخول "حرب غزة" مرحلتها الثالثة وفق معطيات تفيد بأن إسرائيل ستقلص العمليات العسكرية القائمة على القصف الجوي والبري الواسع، لتتواصل العمليات النوعية والموضعية إن في القطاع، أو في الضفة الغربية، إذا استدعت الحاجة الإسرائيلية ذلك.

والخطير أن هذه الحاجة ربما لن توفر لبنان من أجندتها. فقد أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي عن الاستعداد لتوسيع المعركة، وقال: "لأولئك الذين ينتظرون نهاية الاحتكاك في الشمال لوقف القتال في قطاع غزة سنُدَفِّعهم ثمناً متزايداً، هكذا كان الأمر، وهكذا سيمضي الأمر قدماً". ما يوحي بأن اليوم التالي لبنانيا سيتجاوز الإيقاع الغزاوي، أيا كانت تطورات الحرب في القطاع.

والمثير للقلق أن التلويح الإسرائيلي المستمر باحتمال الحرب على لبنان، لن يكون بشروط الحزب ووفق مقتضيات ما تمليه عليه الأجندة الإيرانية، كما هي الحال حتى اليوم، ولكن بجنون وجموح وإبادة، بعدما باتت تصريحات نتنياهو وجنرالاته تؤشر إلى ان هذه الحرب باتت شبه حتمية في الحسابات الإسرائيلية.