ويشكل التنافس بين القوتين على قيادة العالم جزءا من الأجندة الدولية الشاملة. من هنا حظيت القمة التي عقدت بين الرجلين على هامش أعمال قمة دول "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ" باهتمام العالم، وطغت من الناحية العملية على قمة ضمت أكثر من 21 دولة عضو في المنتدى المقرر أن يستمر لمدة أربعة أيام.

ومن الطبيعي أن تحظى قمة بايدن – شي بهذه الأهمية نظرا لحجم الدولتين، وللأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية التي أخدتها المنافسة المحتدمة بينهما على أكثر من صعيد، لاسيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وقد طال انتظار القمة بين الزعيمين. فالقمة هي الثانية بينهما منذ أن وصل الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021. آخر لقاء تم على هامش قمة العشرين التي انعقدت في جزيرة بالي الإندونيسية في نوفمبر 2022. ولم تفلح في لجم التدهور بين البلدين.

توالت الأزمات بين الطرفين، وانقطع التواصل بينهما على مستوى الحوار العسكري في ظل تفاقم التوتر الميداني حول جزيرة تايوان التي تعتبر أحد أهم الملفات الخلافية بين واشنطن وبكين. وتنبع خطورة انقطاع الحوار العسكري (جرى الاتفاق على إعادة تفعيله) من كونهما يمثلان القوتين الأولى والثالثة عسكريا في العالم. وبالتالي فمن المهم بمكان أن تبقى قنوات التواصل عبر الخط الساخن مفتوحة على الدوام لتلافي الأخطاء التي يمكن أن تقع خلال أزمة بخطورة أزمة جزيرة تايوان التي تسعى بكين لضمها بكل الوسائل وفق مفهوم "صين واحدة"، فيما تعترف واشنطن بالمفهوم وترفض الضم القسري للجزيرة الذي من شأنه أن يحول بحر الصين الجنوبي إلى بحيرة صينية خالصة.

طبعا لا تقتصر الخلافات بين القوتين على قضية تايوان، بل إن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل مادة خلافية كبرى بينهما على خلفية التحالف الصيني مع روسيا، ومساعدة بكين موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية القاسية التي تعرضت لها بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في شهر فبراير 2022.

وحساسية حرب أوكرانيا بالنسبة إلى الأميركيين نابعة من كون روسيا تعلن أنها تخوضها في سياق الانقلاب في النظام العالمي الأميركي الذي نشأ على إثر انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وفي المقابل تستحضر الصين شعار تغيير النظام الدولي الحالي بقيادة أميركا من خلال مسارات غير خوض الحروب. فمشروع "الحزام والطريق" الصيني الذي أطلقه الرئيس الصيني قبل عقد من الزمن يشكل في حد ذاته تحديا من الصين للنظام الدولي الذي قام بنهاية الحرب الباردة حول الغرب. والتكتلات الاقتصادية التي تمثل فيها بكين حجر الرحى مثل مجموعة "بريكس"، أو "منظمة شنغهاي للتعاون" تمثل في مكان ما مسارات تحاول بكين أن تحدث اختراقات اقتصادية في النظام المالي القائم منذ 1945 (بريتون وود)، أو دفعا نحو إنزال العملة الأميركية (الدولار) عن عرشها.

لكن طريق الصين إلى إزاحة أميركا عن موقعها طويلة، وخصوصا أن الأولى خرجت من جائحة كورونا مثقلة بمشاكل اقتصادية بنيوية أكان على مستوى تراجع معدلات النمو الداخلي الإجمالي، أو على مستوى انخفاض الاستثمارات الخارجية المباشرة في الاقتصاد الصيني في ضوء تراجع ثقة المستثمرين في استقرار القرار المالي والاقتصادي. ولا نستثني أزمة القطاع العقاري التي لا تزال تغذي المخاوف في النطاق الاستثماري.

من هنا يحتاج الرئيس الصيني إلى مخاطبة مجتمع الأعمال الأميركي، وإعادة ضخ شيء من الثقة في العلاقة المتضعضعة. إنما من دون أن يغفل المسار الجيوسياسي المعقد بين البلدين. فالملفات التي طرحت على مدى أربع ساعات بين جو بايدن وشي جينبينغ عديدة لكن يمكن اختصارها بخمسة إضافة إلى ملف سادس طرأ على جدول الأعمال يوم أمس.

أولا: قضية تايوان وبحث إمكانية خفض التوتر بحر الصين الجنوبي.

ثانيا: استئناف الاتصالات العسكرية والحوار العسكري بين البلدين، وخصوصا وأن أميركا تعتبر أن الصين ليست شفافة على مستوى التسلح النووي. إضافة إلى محاولة الاتفاق على منع إدخال الذكاء الاصطناعي في أنظمة القيادة والسيطرة العسكرية النووية.

ثالثا: قضية تصنيع مادة الفنتانيل القاتلة في الصين التي تعتبر السبب الأول للوفيات بين الشباب في الولايات المتحدة.

رابعا: دعم الصين لروسيا في حربها على أوكرانيا اقتصاديا وعسكريا. ومساعدة موسكو للالتفاف حول العقوبات الغربية.

خامسا: السياسات الاقتصادية في كلا البلدين التي تعرقل التبادل التجاري بينهما. مثل الرسوم الجمركية الأميركية على سلع صينية، ومسألة منع واشنطن تصدير التكنولوجيا المتقدمة في مجال إنتاج أشباه المواصلات.

أما الملف السادس الذي طرأ على جدول الأعمال بين الرئيسين الأميركي والصيني في قمة سان فرانسيسكو فكان إيران. فوفق معلومات أندريا ميتشال، وهي المعلقة السياسية في محطة "أم أس إن بي سي " الأميركية المقربة من البيت الأبيض، فقد حضر ملف إيران على مائدة المحادثات بين الرئيسين نظرا لأن الرئيس بايدن يعتبر أن النفوذ الصيني الكبير على إيران أقله بوصفها المستورد الأول للنفط الإيراني حاليا، وبالتالي فالرئيس شي جينبينغ يتمتع بموقع فريد من أجل الضغط على طهران لتجنب توسيع حرب غزة.

في الخلاصة سيحتاج المراقب لعدة أيام لقراءة نتائج القمة. لكن الأهم أنها عقدت وعادت قنوات الاتصال تعمل لضبط إيقاع اللعبة بينهما، في عالم بات أكثر خطورة من أي وقت مضى.