استهدفت اشتباكات مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين، أمس الأحد، مركزين للجيش اللبناني، ما يُشكِّل تطورا خطيرا، ويتجاوز محلية الصراع الدموي الدائر بين حركة "فتح" التي تطالب بتسليم المتهمين باغتيال قائدها العميد أبو أشرف العرموشي ورفاقه، وبين المجموعات الإسلامية المسلحة التي ينتمي إليها المتهمون.
وكانت الاشتباكات قد بدأت في المخيم مطلع الشهر الماضي على خلفية هذا الاغتيال، ليتم التوصل إلى هدنة شرط تسليم الجناة، الأمر الذي لم يحصل وأبقى النار تحت الرماد حتى اندلعت قبل أيام وبشراسة أسفرت عن سقوط ضحايا داخل المخيم وخارجه ونزوح عدد كبير من سكانه.
لكن، ووسط المساعي الجارية وعلى أعلى المستويات لوقف القتال، ربما ينبغي عدم إغفال حقائق تبين أن ما يجري في هذا المخيم وما قد ينسحب على غيره من المخيمات ليس وليد ساعته، كما أن عملية الاغتيال التي فجرت القتال لا تتجاوز كونها حلقة من حلقات مشروع يرمي إلى القضاء على الشرعية الفلسطينية التي تمثلها "حركة فتح"، ما يفتح الطريق أما فصائل فلسطينية تدور في فلك المحور الممانع يمدها بالسلاح والصواريخ ويحميها ويسهل دخول قياداتها وخروجها من وإلى لبنان، وتدعي حتى اللحظة حيادها وترفعها عن القتال الدائر في المخيم.
والأمر متاح لأصحاب المحور طالما أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تفتقد إلى الأمن وإلى حضور للدولة ومؤسساتها. ولم يكن صعبا، منذ خروج "منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان" بفعل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، إنشاء عصابات مسلحة فيها وتسليحها تحت تسميات إسلامية تتبع مافيات تدار من قبل الممول.. ولا يهم من يكون هذا الممول.
ومعروف أن تقاطع المصالح ساهم باختراق السلاح الفلسطيني. ومعروف ان إيران كانت تسهل للمتطرفين الدخول والخروج من وإلى لبنان، وتحميهم. والسبب انهم يحاربون الشيطان الأكبر، ومخيم "عين الحلوة" تحوَّل بفعل هذا الواقع مأوى للعناصر المطلوبة وساحة لتصفية الحسابات، وصندوقاً لتبادل الرسائل، ومكاناً يصعب ضبطه، ففيه ستة مداخل رسمية، و36 منفذاً للتهريب. وعندما سعى الجيش قبل زمن، وإثر اشتباكات دامية كالتي نشهدها اليوم الى بناء سور حول المخيم، قامت القيامة واتهموه بالفصل العنصري.
واليوم تتكرر السيناريوهات المشبوهة مع محاولات جر الجيش اللبناني وزجه في الصراع، ما يذكرنا بالعام 2007 ومعارك مخيم "نهر البارد" مع ظاهرة "فتح الإسلام" بقيادة شاكر العبسي، الذي اعتدى على الجيش، فتصدى له، في حينه، قاطعا الطريق على استكمالها ووأدها في مهدها، بالرغم من اعلان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، آنذاك، أن المخيمات "خط أحمر".
بالتالي، فإن المخطط لا يزال ساري المفعول، وتحديدا بعد اكتمال بازل الحركات الإسلامية المسلحة في المخيمات، وآخر جولاته ترمي إلى توحيد الساحات واستخدام جنوب لبنان كما الجولان لهذه الغاية وفق المتطلبات الإيرانية.
وانتزاع أمن المخيم من "حركة فتح" يتصدر كواليس المساعي الحالية لوقف الاقتتال. وربما استهداف الجيش اللبناني يصب في هذا المنحى، بحيث تطرح مسألة السلاح في المخيمات كخطر على السلم والسيادة اللبنانية، والأمر صحيح في ظاهره، لكن باطنه يعني أن السلاح الفتحاوي لا يختلف عن سلاح المجموعات الإسلامية المتطرفة، والمصلحة اللبنانية العليا تستوجب النيل منه، لكن هذه المصلحة لا تتضارب مع تفعيل الدور العسكري لكل من "حركة حماس" و"الجهاد الإسلامي".
اللعبة تتعلق بأجندة المحور، ورغبته بالسيطرة الكاملة على السلاح الفلسطيني، وإلغاء شرعية "حركة فتح" في "عين الحلوة" الذي يعتبر عاصمة مخيمات الشتات، ما يمهد ليصبح مخيما ممانعا ومقاوما ومسلما على طريقة محور الممانعة ووفق مشروعه..