وبالتالي فإن الهجوم المضاد لن يحقق أهدافه الرئيسية، وإحدها إقامة خط تماس مباشر مع شبه جزيرة القرم التي كان يؤمل بلوغ حدودها بنهاية العام الجاري.

هذه التقديرات المسربة من مصادر استخباراية أميركية تستند إلى نجاح القوات الروسية في إقامة خطوط دفاعية شديدة الفاعلية حالت دون نجاح الهجوم الاوكراني المضاد الذي كان منتظرا منذ نهاية فصل الشتاء في مطلع شهر أبريل الماضي.

ماذا تعني المعلومات المشار إليها؟

بكل بساطة أن الهجوم المضاد فشل. والأهم أن الحرب ستطول أكثر مما كان متوقعا، على افتراض أن واشنطن كانت تأمل بتحقيق خرق جوهري في الجبهة الروسية بما يعزز إمكانية دفع موسكو للجلوس على طاولة التفاوض مع الاستعداد لتقديم تنازلات.

لكن هذه التقديرات المبنية على المعلومات المسربة إلى "وشنطن بوست" قد تعني أمرا آخر أبعد من مصير الهجوم المضاد المتعثر حاليا، فالوقت يمر بسرعة، ومعه ترتفع فاتورة الحرب بالنسبة إلى كييف وهي على أبواب الخريف القادم بعد أقل من شهرين، ومن بعده فصل الشتاء الذي تستقر فيه الجبهات لعدة أشهر حتى نهاية مارس 2024.

وفيما تكاد واشنطن تعلن فشل الهجوم، يتم تسريب معلومات نوعية أخرى تتعلق بمنح الأخيرة إجازة لكل من الدانمارك وهولندا للمباشرة بتسليم أوكرانيا طائرة مقاتلة متطورة من طراز "إف -16"حالما تكتمل الطواقم الأوكرانية المصاحبة لخدمة الطائرات، ومعها دورات التدريب للطيارين والفنيين.

فالقرار الأميركي يأتي من الناحية العملية ردا على تقديرات تقول إن تعثر الهجوم المضاد سببه فقدان الغطاء والدعم الجويين للقوات المهاجمة في الميدان، لكن تسليم الطائرات سيتأخر إلى العام المقبل.  

إذا نحن أمام محطة مفصلية، حيث بدأ الغرب عموما وأميركا خصوصا يقران بصعوبة تحقيق انتصار كبير يوقف الحرب هذا العام.

ومن هنا التوقعات التي تبنى على أساس أن الحرب ستطول أقله لعام إضافي.

ما تقدم لا يعني أن حال روسيا أفضل. فالحرب التي بدأت وفي ذهن الرئيس فلاديمير بوتين وأركان الكرملين أنها "نزهة" قصيرة إلى كييف، تحولت إلى كابوس وحرب قاسية جدا، عانى منها الجيش الروسي ولا يزال.

فكما كييف عالقة في عنق الزجاجة، فإن موسكو عالقة هي الأخرى. والطرفان يخسران معا، لكن روسيا بتعثر حربها، وتحولها من حرب هجومية إلى حرب دفاعية عن أجزاء صغيرة من الأراضي الأوكرانية، عرّضت مكانتها كقوة عالمية كبرى تطمح إلى منافسة  الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وفتحت شهية بقية الدول المجاورة للاتحاد الروسي، ومعظمها جمهوريات سوفييتية سابقة تقع تقليديا في دائرة المدى الحيوي الروسي من شرقي أوروبا إلى القوقاس وصولا إلى آسيا الوسطى ـ على التفلت من نفوذ موسكو والتطلع إلى شركات اقتصادية وأمنية ودفاعية جديدة بعيدا عن روسيا.

والحال أن الجهة المستفيدة من هذا التفلت الذي نتحدث عنه، هي أولا الصين المنافس الحقيقي الوحيد لأميركا، ثم الولايات المتحدة التي تبقى راهنا وعلى الرغم من التحدي الكبير الذي تواجهه من محور بيجينغ- موسكو القوة العظمى الأكبر والأقدر والاوسع انتشارا.

قبل عام تعثر الهجوم الروسي، واليوم يتعثر الهجوم الاوكراني المضاد. والحرب تدخل مرحلة الاستنزاف المتبادل الطويلة من دون افق لتسوية بين الطرفين.

والخشية أن تصبح الحرب مع مرور الوقت في أسفل قائمة نشرات الأخبار العالمية!