كل ذلك حتى الآن يبدو بريء الأهداف وبدون أي أضرار، إلا أنه قد يكون أولى الخطوات على سلم الإدمان الذي له آثار مدمرة على مستوى الأفراد والمجتمع.

ورغم اعتماد عمالقة وادي السليكون لاسم منمق لذلك الأسلوب وهو "المشاركة"، إلا أن للظاهرة انعكاسات على الصحة النفسية وخصوصا بالنسبة للمراهقين، وهو ما يفسر اعتماد بعض المدارس الشهيرة مثل "فالدورف" في ألمانيا، نظاما تعليميا قائما على تقنين ساعات استخدام الإنترنت والجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر، في سبيل تطوير المتعلمين لإبداعاتهم ومهاراتهم الفنية واليدوية.

إن اعتياد الحصول على الحلوى مثلا في كل مرة يطلبها الشخص من شأنه أن يجعل الدماغ يعمل بشكل آلي وفقا لذلك، ليصبح عاجزا عن التفكير بحلول أخرى في حال عدم تقديم المكافأة وهي الحلوى في حالتنا، بعيدا عن الطلب والاستجداء.

ربما تكون جاذبية التعليقات غير الحقيقية سببا في علاقات "اعتمادية متبادلة"، لتسود لمسة عشوائية على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بفضل الخوارزميات "القابلة للتكيّف"، والقادرة على إجراء تغييرات صغيرة على ذاتها آليا للحصول على نتائج أفضل، وهو ما يعني المزيد من المشاركة والأرباح.

لنفترض أن إحدى "الخوارزميات" عرضت عليك فرصة شراء زوج من الجوارب أو مجموعة من الأسهم، وذلك بعد مرور خمس ثوان على مشاهدتك لفيديو مسلٍ مثير للضحك عن مغامرات مجموعة من القطط مثلا.

تُعدّل "الخوارزميات" أحيانا لإجراء اختبار تلقائي لمعرفة ما سيحدث إن تم تغيير الفاصل الزمني بين مشاهدة شيء مثير، وعرض منتج أو خدمة، أي تقليص الزمن من خمس ثوان إلى 4.5 مثلا، لتعرف المنصة التي يزورها المستخدم تأثر قراره الشرائي بهذا التغيير للزمن.

وفي حال توصلت المنصة التي تقترح منتجات وخدمات للبيع، لمعرفة التوقيت المثالي لقرار الشراء، فإنها ستعتمد ذلك لتقدمه ليس ضمن التحديثات الخاصة بالمنشورات التي تتابعها فقط، وإنما في تحديثات الآلاف من المستخدمين المرتبطين بك، والذين يتوافقون معك في قواسم مشتركة ولو كانت بسيطة كالألوان المفضلة وحتى ماركات السيارات المحببة لنفسك.

ولتقريب الصورة إلى الأذهان، دعوني أشبّه تكيّف الخوارزميات باقتراح شراء منتجات أو خدمات، وتعديل وقت عرض ذلك، وفق النتائج المحققة، واستبعاد الإعدادات التي لم تسفر عن أي مبيعات، بالطفرات التي رافقت تطورنا كبشر، ونقل الميزات والإمكانيات والصفات الإيجابية والمعزّزة للأنواع من جيل لآخر.

تدعم أدمغتنا عمليات التكيف والتوقع للنتائج، إلا أنها تميل في بعض الأحيان للبحث عن المفاجآت، لأن الطبيعة البشرية تمقت التكرار والروتين بسرعة، وهكذا تصبح العشوائية التي يوفرها اعتماد الخوارزميات المعدّلة للسلوك، قادرة على تحفيز الإدمان عند البشر.

تحاول الخوارزميات إحكام قبضتها على المؤشرات المثالية للتلاعب بدماغ المستخدم، والذي يستجيب لها سعيا منه لتقبّل التجربة الفضلى وأي شيء غير حقيقي وجديد، فهو يميل للتكيف أكثر مع الخيال والتجارب الجديدة، ليصبح المستخدم في النهاية مدمنا على بلوغ سراب بعيد المنال.

وبالمحصلة، تستفيد مواقع التواصل من التقاطع بين الرياضيات وآليات عمل الدماغ البشري، ويظل المستخدم عالقا في هذه الدائرة المغلقة التي تستنفد قدراته وطاقاته على مختلف الأصعدة.