هذه المفارقة تدعو الدول العربية والأفريقية إلى تأمل مجريات ومآلات المفاوضات المرتقبة بين العملاقين الاقتصاديين، لأن تكتلات الموارد والمواد الخام ومحاصصات الاستيراد والتصدير وسلاسل الإمداد تلوح في الأفق إذا تأزمت الأمور، وسنكون كدول صاعدة ونامية في مواجهة إملاءات متضاربة لترجيح كفة دون أخرى، وأثمان جيوسياسية وجيواقتصادية واردة على عدة مستويات، وتنازلات وتعديات محتملة متعددة ومتشعبة، فما النموذج الأنسب للتفاوض والتحوّط في ظل محاولات موازنة القوى التي قد تصبح ملحّة مستقبلا؟

يوجد نمطان تقليديان لموازنة القوى، الأول يعتمد على اكتساب عوامل القوة الذاتية التي تنشدها كل الدول والتحالف مع دول أخرى لديها درجات متقاربة منها، والثاني هو التنافس على احتلال وضم المناطق كمساحات إضافية إلى الدولة.

وبما أن الخيار الثاني ليس واردا ولا يحبذ تنفيذه لتسببه تاريخيا في حروب، منهما حربين عالميتين، فسنحتاج إلى الأول، وبطريقة تجعلنا على مسافة واحدة من الأمم المتحدة (غربا) ومجموعة بريكس (شرقا)، لأن الشرق الأوسط (أو غرب آسيا وهو الأصح) وأفريقيا وبالأخص جنوب الصحراء هما مدار الصراع القائم والمقبل على الموارد والاستهلاك واستثمارات التنمية ووساطاتها أو صراعاتها.

وقد يكون الأسلوب الوحيد لموازنة مصالحنا مع متطلبات القطبين هو أن تكون صادراتنا وقرارات استيرادنا وتحيزاتنا وتحالفاتنا مشروطة بأثمان جيواستراتيجية، وأن نضفي على معاملاتنا التجارية والسياسية مع القطبين مزيدا من اشتراطات نقل المعرفة والشراكة التنموية والتحالف الأمني، مع تبيان أن ما يتقاعس عنه قطب سيتولاه الآخر. الأمر بمزيد من التبسيط يصورنا كزبائن للسياسات الدولية الكبرى، لكننا في هذه الدورة من التاريخ زبائن لنا كلمة طالما المراد منا دفع أثمان بعضها باهظ جدا، ومواقفنا تشترط درء الأضرار وجلب المنافع، ومفاوضة القطبين على ما وراء الضرر أو النفع المحلي والإقليمي من ضرر أو نفع يعود على قطب دون آخر أو القطبين معا. عندئذٍ سيكون لنا حق تقرير المصالح ولو جزئيا أو بالمناصفة مع القطبين، وإلا رحنا ضحية حجري الرحى وما قد يطبقانه من دورات كسر العظم الموسمية.

باختصار، نحتاج في قادم الأيام إلى مثمنين متعمقين لما نملكه أو نحتاجه من مصالح الآخرين.