تتعدد عسكريا مسميات المعارك التي تدور في ميادين القتال، ومن ثم تكثر المصطلحات التي تغطي طبيعة العمليات بين القوات المتنازعة في الحروب الكلاسيكية بما تنتجه تفاعلاتها على الأرض، بشرط ألا تلجأ الأطراف إلى الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية.
ومن هذه الأشكال على سبيل المثال حروب الأراضي المفتوحة، الصحراء، الأدغال، المدن... إلخ.
ظلت المعارك فيما مضى تجري وقائعها بأنماط تقليدية بين قوتين، أو جيشين، أو عدة دول، لكن طبيعة الحرب اختلفت في العصر الحديث، نتيجة ما طرأ عليها بمرو الزمن بسبب المتغيرات الاجتماعية والتطورات التكنولوجية الفائقة والمتسارعة، ومن ثم شهدت أخيرا كينونة الحرب كفعل متكرر تاريخيا انقلابا نوعيا وجذريا.
هكذا تستجد في العمليات العسكرية عندما تبدأ الاشتباكات أبعادا مختلفة آخذة في التجدد تصبغ المشهد العسكري، تسفر عن مسارات غير مسبوقة تقلب رأسا على عقب مفاهيم استقرت طويلا، في تسارع لوتيرة فواصلها الزمنية.. الآن يظهر هذا التغير جليا عندما يبدأ النزاع بين كيانات غير منسجمة.
اهتم دارسو ظاهرة الحرب منذ عهد قريب بالتغيرات التي طرأت عليها، وانطلاقا من التتبع التاريخي للتطورات النوعية التي تستجد من وقت لآخر على مجريات الحرب نشأت في الولايات المتحدة مدرسة قسمت تاريخ الحروب الحديثة إلى أجيال، وصلت إلى سبعة أجيال، تعترف المدرسة الأميركية المؤسسة للمنهج بأربعة منها فقط حتى الآن.
نقطة بدء هذا التقسيم يعود مداها إلى 375 عاما مضت.. بالتحديد كانت سنة بداية هذا التقسيم الجيلي هي 1648، حيث تعتبر هذه السنة لدى كثير من مؤرخي التاريخ العام في الغرب بداية مولد الدولة القومية طبقا للمفهوم المعاصر، وهي السنة التي اعتبرها المنظر العسكري الأميركي العقيد وليم إس. ليند، الحاصل على درجة الماجستير في التاريخ، سنة الأساس لمفهوم أجيال الحروب، الذى يرتبط بالتاريخ الحديث.. كانت سنة 1989 هي باكورة استهلال طرحه لنظرية أجيال الحروب.
أدرجت الأجيال الأربع الأولى في هذا التصور النظري بتحديد منهجي متماسك بدرجة كبيرة، أما الجيل الخامس فهو مازال منهجيا - لدى فريق من الخبراء الأميركيين تحديدا - في حالة تبلور، ويستند هذا الجيل في تمثلاته الكيفية على الانفجارات التكنولوجية في مجال التسليح، ويرى العقيد ليند أن من يتبنون رؤية للجيل الخامس لم يتمكنوا بعد من الوقوف على رؤية عسكرية نوعية تم حسم الجدل حولها، ما يعنى لدى ليند عدم إدراكهم ما يعنيه مصطلح الجيل في الحروب.
واقعيا يعتبر الجيل السادس في طور التشكل بعيدا عن جهة منشأ أجيال الحروب في الولايات المتحدة، إذ بث التنويه الأول عن هذا الجيل في روسيا على يد الجنرال فلاديمير سلبتشينك عندما قال موضحا طرحه: "الحروب التقليدية عفا عليها الزمن والحروب المقبلة ستدار بأنظمة ذكية، وستحصد نتائج ذكية".
ويشير أنصار هذا الجيل إلى أن هذه الحرب تبنى على مزيج من استخدام الأسلحة التقليدية والنووية التكتيكية، في إطار استخدام كثيف للأدوات السيبرانية، والأسلحة والأساليب الذكية، وتسخير الإمكانيات الفضائية، بهدف إدارة الصراع العسكري وأيضا الاقتصادي أوالمعلوماتي.
حروب الجيل السابع هي الأكثر إشكالية، لما يشوبها من قضايا أخلاقية، حتى أن البعض أصبح يطلق عليها حروب استعباد البشر، لأن جانبا من إدارتها يتم عن طريق زرع شريحة في جسم الإنسان لتنفيذ الأوامر الموجهة إليه، من خلال الاستغلال السيء لتكنولوجيا غرس الشرائح، ومنها ما يتم تداوله عن تثبيت شريحة في الإبهام يقال بوجود قرابة 50 ألف شخص في الاتحاد الأوروبي حاليا بدأوا في استخدام تلك التقنية في التعاملات المختلفة، فيما يرى آخرون أن هذه التقنية في علاقتها مع الجيل السابع من الحروب مجرد تهويمات، وتصورات خيالية مستقبلية، ربما تصيب تقنيتها بعضا من الحقيقة في الغد البعيد، وقتها يمكن تصنيفها كجيل جديد من الحروب.
منهجيا، فيما يرى المنظرون في المدرسة الأميركية أن الجيل الأول ارتبط في الأزمنة الحديثة بالعام الذى يؤرخ به لنشأة الدولة القومية، مع التوقيع على معاهدتي "صلح وستفاليا"، ومن ثم ارتبطت الجيوش في أداء مهامها بمنظومة الدولة الحديثة، وهو اختيار صائب لنقطة بداية في التاريخ الحديث للجيل الأول من الحروب.
لكن الجيل الأول هذا سوف ينتهي مع بداية الحرب الأهلية الأميركية، ومعنى هذا أن القياس الزمني ارتبط بواقعة محلية، في حين أن الحربين الأهلية الإنجليزية والأنجلو مكسيكية بدأتا وانتهتا قبل بداية الحرب الأهلية الأميركية، التي حسبت كسنة بداية للجيل الثاني، بعد أن أسفر تطور السلاح عن فوضى، نتيجة تطور وسائل النيران، وزيادة قدرات تدميرها، وهذا ما أدى إلى تحولات في ساحات قتال الحروب الثلاثة، وليس الحرب الأهلية الأميركية فقط، وبهذا فإن سنة نهاية هذا الجيل ليست بنفس تماسك البداية في التحديد الزمني.
وبالنظر إلى التشكيك في الجيل الخامس فإن ارتباطه بالتطور الفارق بتكنولوجيا التسليح يضع علامة استفهام حول هذا الرأي، لأن مرحلة الانتقال بين الجيلين الأول والثاني كان أساس الارتحال الجيلي فيها يتعلق بتطور نوعيات السلاح في ذلك الوقت، ما أنهى التشكيلات الخطية وتكتيكات الصفوف، وللمؤرخ مارتن فان كريفيلد رأي يرى أن نتائج الحرب لا يحددها فقط التفوق التكنولوجي في الأسلحة والمعدات، وهذا رأي صحيح لكنه متكرر عبر التاريخ منذ القدم، ويعتبر النفي التام للجيل السادس في بعض أدبيات الدراسات المتعلقة بالموضوع نوع من المكايدة السياسية.