في المستقبل، سيكون الذكاء الاصطناعي قادرا على تعيين الموظفين الأكفاء، وفصل أولئك الذين لا يحققون الأهداف الموضوعة لهم من قبل الإدارات، بالإضافة إلى أداء مهام أكثر تعقيدا، مثل الرد على استفسارات الموظفين المتعلقة بشؤون الموارد البشرية كالتقييمات الوظيفية، والآليات المطبقة للزيادة في الأجور، وإدارة وانتقاء البرامج التي تسهم في تطوير أداء العاملين وإدارة سجلاتهم، وغيرها الكثير.

وكدليل على تزايد اهتمام أقسام الموارد البشرية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، قالت شركة الأبحاث IDC، إن دراسة لها حول مستقبل الأعمال، كشفت أن 60 في المئة من الشركات العالمية ستعتمد أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لدعم أعمالها والارتقاء بأداء الموظفين ورضاهم.

كذلك قالت نسبة 80 في المئة من المؤسسات الدولية، إنها ستستخدم بحلول عام 2024، مدراء لأقسام الموارد البشرية مدعومين بخبرة في ميدان الذكاء الاصطناعي، لتطبيق معرفتهم في أعمال التوظيف، والتقييم، والتطوير المتصلة بالموظفين.

ومن بين الاستخدامات لفرق الموارد البشرية التي تمكّنها من الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، اقتناص المواهب، وتقليل الزمن الذي يقضى في تعيين موظفين جدد عبر أتمتة المهام اليدوية، وصقل استراتيجيات التواصل الأكثر نجاحا.

ويمكن أيضا الاستفادة من روبوت الدردشة "تشات جي بي تي"، في توليد أسئلة مقابلات التوظيف وفق المناصب المرغوب شغلها، واكتشاف نقاط الضعف لدى المرشحين، والرد على الأسئلة غير المتوقعة من جانبهم.

وبعد اختيار الموظفين المناسبين، تستطيع برامج ذكاء اصطناعي التحقق من مستنداتهم ومؤهلاتهم الدراسية والمهنية، وإجراء جولة تعريفية بالشركة وقوانينها في مرحلة لاحقة، الأمر الذي يترك انطباعا إيجابية بشأن العلامة التجارية للمؤسسة.

ولتسهيل عملية اندماج الموظف في الشركة، تستطيع برامج الذكاء الاصطناعي تخصيص عملية الإعداد من خلال تحليل البيانات الخاصة بكل موظف، مثل مهاراتهم وتفضيلاتهم، وتصميم تدريبات لهم وفقا لذلك.

وفي مجال مراقبة الموظفين، فبمقدور تطبيقات الذكاء الاصطناعي تقييم أدائهم وسلوكهم ومشاركتهم، وتزويد المسؤولين في الموارد البشرية بإشعارات وتنبيهات عند اكتشاف أي انتهاك لسياسة المؤسسة، فضلا عن تحليل أنماط العمل ورسائل البريد الإلكتروني، وهو ما يساعد الإدارة على معالجة أي مشكلات قبل تعاظمها، وتحسين سير العمل بتقييم البيانات المرتبطة بمقدار الوقت الذي يقضى في مهام محددة.

ويتيح الذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المتكررة والمستهلكة للوقت، حتى يتمكن متخصصو الموارد البشرية من التركيز على بناء الاستراتيجيات.

ورغم كل الفوائد التي ذكرناها سابقا، فهناك اعتبارات يجب أخذها بعين الاعتبار عندما تفكر أقسام الموارد البشرية بالاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل تذكر وجود حدود لهذه التقنية، فمثلا ستؤدي المبالغة في الأوصاف الوظيفية للمؤهلات إلى إنشاء قائمة طويلة من متطلبات الخوارزميات للتحقق منها في السير الذاتية، وهو ما يجعلها ترفض العديد من الباحثين عن عمل من المؤهلين الذين قد يفتقدون بعض المهارات فقط من القائمة الموضوعة مسبقا.

ومن الضروري أيضا وضع مخاطر خصوصية البيانات والأمن السيبراني في الاعتبار عند دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أقسام الموارد البشرية، وطمأنة الموظفين بأمان بياناتهم الشخصية مثل التفاصيل المصرفية والتأمين الصحي.

وينطوي استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم المواهب على مخاطر، تتمثل في تعقيد مصادر البيانات وتقنيات النمذجة، ليكون حتى الخبراء الذين وضعوا نماذج الاختبارات غير قادرين على فهم كيفية وصول التقنية إلى قراراتها، أو التجاوب مع ظروف لم تتطلع عليها الخوارزميات.

ليس هناك شك في أن للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على الموارد البشرية، من أتمتة المهام الروتينية إلى تقديم رؤى مدعومة بالبيانات لاتخاذ قرارات أكثر موضوعية، وتعزيز كيفية جذب الشركات للمواهب وتطويرها والاحتفاظ بها، إلا أنه من المهم لمحترفي الموارد البشرية أن يدركوا أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يحل محل اللمسة الإنسانية في الموارد البشرية.

وعليه يجب أن تكون الشركات قادرة على تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والمشاركة البشرية لتحقيق أكبر الفوائد، إذ لا يمكن للذكاء الاصطناعي بمفرده إعطاء الصورة الكاملة للوضع، وبالتالي يجب على متخصصي الموارد البشرية الغوص بشكل أعمق في الأسباب الكامنة وراء البيانات لفهم النتائج وتفسيرها بشكل صحيح، والاستعانة بالخبرة العملية لاتخاذ القرارات الصحيحة.

وخير مثال على المخاوف المرتبطة بتطبيق الذكاء الاصطناعي في ميدان التوظيف، إقرار ولاية نيويورك الأميركية قانونا يلزم الشركات بمراجعة برامج التوظيف المدعومة بالذكاء الاصطناعي بحثا عن أي تحيزات، مع فرض غرامات على الشركات المخالفة لهذا القانون.