هناك في الموروث الأميركي ما يسمى بـ"قاموس كولينز" الذي يتحدث عن ما يسمى داخل المجتمع الأميركي بـ"الحرب الثقافية".
ويمكنني أن أقول إنها باختصار صراعات داخل مجموعات ليبرالية وأخرى متحفظة حول قضايا لا تشغل بال الكثير من المجتمعات الشرقية والغربية، لكنها أكثر قيمة للنقاش في المجتمع الأميركي من حروب العالم.
تلك القضايا من بينها العنصرية والأخلاق وأسلوب الحياة والإجهاض والعبادات في المدارس وغيرها. هذه الحرب الثقافية يتقنها ولا شك وعلى مدى العقد الماضي حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي سيعلن ترشحه عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية بعد يومين.
هذا الترشح هو حديث أميركا هنا في واشنطن فبعده ستحتدم المعركة بين ديسانتيس وترامب من أجل الظفر بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية.
ولمن لا يعرف ديسانتيس فهو مولود في شمال فلوريدا في العام 1978 وهو مقاتل سابق وأحد خريجي جامعة هارفارد بدا نجمه بالظهور بعد مواقفه من الإغلاق بسبب تفشي كورونا، حيث قام بتخفيف القيود المفروضة على المدارس والشركات.
لكنه رغم كل شيء لا يختلف عن ترامب في مواقفه المؤيدة بالمطلق لإسرائيل والعداء الاقتصادي للصين وحتى رفضه للاتفاق النووي الإيراني وعداءه للمسلمين المتدينين وإعلانه صراحة تقديم مشروع لتصنيف جماعة الإخوان إرهابية وهو صاحب قانون وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية إلى ان تعترف بإسرائيل كدولة يهودية وهو صاحب المقولة: "أنا الأكثر تأييدا لإسرائيل في أميركا".
خلال هذه الساعات يعلن ديسانتيس ترشحه في مقابل منافس يلاحقه القضاء بالرغم من أن ذلك المرشح هو حتى الساعة الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، لكن ديسانتيس يتميز عن ترامب بعدم وجود تلك الملاحقة القانونية وأيضا تفوقه على الرئيس الحالي بايدن في استطلاعات ولايات متأرجحة مثل أريزونا وبنسلفانيا وويسكنسن وجورجيا لكن ليس هناك من قيمة لكل ما سبق أن باءت الملاحقات القانونية ضد ترامب بالفشل والذي هو البراءة من التهم الموجهة إليه، عندها لن يستطيع ديسانتيس مواجهة تسونامي ترامب.
خلال حوار لي مع ناشر كتابي الجديد عن تأثير إيران على الشرق الأوسط قال لي إنه وحتى قبل إعلان ديسانتيس ترشحه كانت كثيرة.
هي تلك النقاط، التي حارب بها كل منهما الآخر فمن الحملة الإعلامية التي شنها ترامب وفريقه على قيود الإجهاض الجديدة التي فرضتها ولاية فلوريدا وحاكمها ديسانتيس والذي لا تخفى مواقفه تجاه قوانين الأسلحة وسياسات الهجرة وحتى لقاحات كورونا نرى ترامب يهاجم بأقذع العبارات رجال الدين الذين يناهضون الإجهاض والساسة الذين يدافعون عن مبدأ حرية حمل الأسلحة.
على مستوى الحزب نلاحظ أن كبار المانحين في الحزب الجمهوري لا يزالون على دعمهم لديسانتيس، معتبرين أنه يتميز بعدم الخجل من قضايا خلافية يرى بعض حكام الولايات حساسية في طرحها.
وأيضا وعلى مستوى الحزب الواحد يطرح ديسانتيس نفسه صاحب الريادة في طرح تشريع استخدام موقع التحقق من هوية المقيمين بأميركا لأي صاحب عمل يتواجد لديه أكثر من 25 موظفا ولا يخفى ما في ذلك من متابعة الشأن القانوني لكل مهاجر.
وهنا يرد السؤال: هل يمكن أن يحظى ديسانتيس بشرف هزيمة ترامب داخل الحزب؟
وبداية أقول إنه وبالقرب هنا من الكابيتول لا يأخذ أحد ممن ناقشتهم من أعضاء الكونغرس على محمل الجد ما تعلنه بعض الصحافة عن أن هزيمة ديسانتيس للرئيس ترامب أن حصلت ستدفع الأخير للترشح على بطاقة حزب ثالث وأن ذلك سيضعف فرص ديسانتيس أمام المرشح الديمقراطي كما وقع مثلا عام 2000 من تصويت الناخبين للمرشح رالف نادر مما غير النتيجة لصالح جورج بوش أمام آل غور.
لكن لا بد من الاعتراف أن ديسانتيس هو من المحافظين المنادين بالتغيير وهو ولا شك أكبر تهديد لآمال ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض ناهيك أن قرابة الـ60 بالمئة من الجمهوريين طلبوا منه الترشح وهذا يقوي فرصته إلى حد ما.
رغم صعوبة انتصار ديسانتيس على ترامب لأسباب كثيرة هي محل النقاش في الداخل الأميركي في الفترة المقبلة فإن ذلك الانتصار أن حصل فسيكون مرده إلى الحرب الثقافية، التي يتقن ديسانتيس أساليبها بالرغم من أنه يشارك ترامب في الأسلوب الشعبوي، الذي لا يروق لكثير من الناخبين داخل الحزبين وحتى من مواطني الولايات ذلك أن الأيديولوجيا التي ينادي بها أو ما يسميه بأيديولوجيا الاستيقاظ ربما تجعله يفوز على ترامب الذي وجود أخيرا من يناطحه في شعبويته المليئة بالعبارات تدغدغ مشاعر بعض الأميركيين بينما تجعل بعضهم يشعرون بالقرف والاشمئزاز.