الشد والإرخاء في تصدير الحبوب الأوكرانية بإشراف روسي منذ نشوب القتال بين الجارتين أدخل دولا أخرى إلى سوق المحاصيل لتعويض الحصص الأوكرانية المعطلة أو مثيلتها الروسية التي منع استيرادها في دول عديدة.

بالمثل، دخلت عدة دول على خط البدائل الاستثمارية في مطابع السيليكون ووفرة الرقائق خشية تعطل إنتاج رباعي الصدارة التايواني TSMC و ASE Group و AU Optronics و Mediatek، وهي مسابك الريادة المتمرسة في نسج رقائق المعالجات (أشباه الموصلات) بحجم 3 نانومتر، وتوشك على الانتقال إلى أحجام أصغر لغاية ما تحت 1 نانومتر، حيث يقف قانون Moore للمعالجة الحوسبية متناهية الصغر.

رغم حرمان الصين من معدات ومواد إنتاج الرقائق من الغرب والشرق على حدٍ سواء، إلا أن الغرب يدرك تماما ما يعنيه حصار الصين تقنيا، إذ قد تتكرر - على اختلاف الأفعال والإرث - قصة حبس هتلر لفردناند بورشه وفريقه لينتجوا في وقت قياسي سيارة شعبية لا تحتاج إلى الماء للتبريد (الفولسفاغن)، فيستنفر الزعيم تشي الخبرات العددية والنوعية للصين ويدمجها بالمقدرات الوطنية من المعادن النادرة، ويعتكف الجمع المهول لينتج رقائق محلية تشكل اكتفاء ذاتيا طالما سعت بكين لتحقيقه، ولن تكون الرقائق لسلع مدنية فحسب.

كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا كلها تحاول ملء فراغ محتمل لغياب الدور التايواني في سوق رقائق أشباه الموصلات. كذلك في سوق الغلال، تستعد دول منتجة من تكتل بريكس لملء فراغ الغياب الأوكراني من جهة، ومن جهة أخرى تسعى دول هي تقليديا مستهلكة مثل مصر والسعودية والإمارات لبلوغ الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي لتتحصن ضد التقلبات والمساومات في سوق الأغذية الأساسية.

على هذا المنوال يجب أن تستعد دولنا في كل احتياجاتها إما بالاكتفاء الذاتي أو عن طريق تحالفات بديلة، وعلى ذات المنوال يجب أن يخطط رئيس أوكرانيا فولوديمير زلينسكي ورئيسة تايوان تساي إنغ-وين، قبل تراجع أو فقدان أهمية أوراق بلديهما، والاستمراء المقيت للصراعات المستدامة ومعاناتها من قبل دول العالم، التي يعجز أكثرها ويتآمر أكبرها.