في حالتنا اليوم والتي تشغل العالم وبات يطلق عليها "تسريبات البنتاغون"، هناك بطل لهذه التسريبات تعامل معه مهووسين بالشبكة العنكبوتية على أنه المطلع على أسرار البنتاغون، وأن لديه وثائق صورها وخط بعضها بيده، بل أن المجموعة التي باتت تتعامل معه تصوروا في لحظات ما أنه قريب جدا من دوائر صنع القرار في البنتاغون، حيث ردد على مسامعهم عبر ما حادثهم به، أنه يمتلك وثائق حول طبيعة تحركات المسؤولين الأميركيين، وملفات لم تنشر حول البنتاغون وعلاقاته بدول عديدة، مما قد يؤثر على الخطط الجيوسياسية لمناطق تدور فيها كثير من الصراعات خلال هذا العام.

هنا في واشنطن كانت الصدمة كبيرة، حيث تبارى المسؤولون الأميركيون في معرفة كيفية وصول تلك الوثائق السرية إلى الإنترنت، وهي التي تكشف موقف البنتاغون من الحرب الروسية الأوكرانية، وكيفية ووسائل التجسس الأميركي على دول عدة، وطبيعة التكنولوجيا الأميركية التي تساءلت الصين وروسيا على الدوام عن فهم كنهها.

ويتردد هنا في الكابيتول وعلى شاشات التلفزة الأميركية، حديث لا ينتهي حول أن الشاب المتهم ليس هو من سرب الوثائق، وإنما هو مسؤول في الإدارة الأميركية الحالية يعارض سياستها، وقد أعلن ذلك صراحة المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية فيليب جيرالدي.

وإذا ما نظرنا إلى مواقف بعض الدول الكبرى من تلك التسريبات، فسنلحظ مثلا أنه وعلى الجانب الروسي، استغربت الصحافة الروسية ما ورد في الوثيقة من أن بوتين إذا قام بإقالة كبار المستشارين العسكريين، فهذا يعني بالضرورة أن هناك مشكلة في قدرته على معالجة نقص الجنود والمعدات، مما قد يضطر معه لاستخدام الأسلحة النووية، ولو بقدر محدود، والحديث هنا عن حربه على أوكرانيا .

ويبدو أنه أصبح من نافلة القول إن الولايات المتحدة باتت تعاني من كثير من الأضرار بسبب تسرب هذه الوثائق، لكن أيضا فكثير من الدول التي وردت تفاصيل نشاطاتها في هذه الوثائق ما زالت إلى هذه الساعة تحاول معرفة ومواجهة الأضرار التي ستلحقها، بعد كشف هذه الوثائق، مع ترقبهم لما زعمته صحيفة "واشنطن بوست" عن وجود شرائح أخرى تحوي أكثر بكثير مما حملته الشريحة المتوفرة على الشبكة المعلوماتية، وأيضا خشية تلك الدول من معرفة المعلومات التي تمد بها الولايات المتحدة بشكل سري.

ولا شك أيضا أن سمعة أميركا تأثرت جراء تسرب هذه الوثائق، فكل دول العالم تقريبا تدرك أن الولايات المتحدة تتجسس عليها، لكن خروج جزء من تلك المعلومات التي لا تتمنى تلك الدول أن يخرج للعلن يجعل من التعاون المستقبلي (الشفاف) بين تلك الدول والولايات المتحدة، محل تردد وريبة كبيرين.

نعم.. قد تحاول تلك الدول عدم مشاركة الولايات المتحدة بعض المعلومات السرية جدا خشية اختراقها وتسربها، لأسباب إدارية في الداخل الأميركي مستقبلا، كما حدث مع هذه التسريبات، وستبقى الولايات المتحدة لفترة ليست بالقصيرة، مطالبة بتبرير التقصير في الحماية الإلكترونية لوثائق لا تخصها وحدها بل، تخص أيضا حلفاء واصدقاء جعلوا على الدوام من تلك المعلومات التي قدموها إلى الولايات المتحدة (قربان محبة وخضوع) يندرج تحت الولاء والاتفاق في الموقف السياسي.. وسيكون حديثهم خلال اجتماعات مجموعة الاتصال الدولية في ألمانيا هذا الأسبوع مع جميع المسؤولين الأميركيين هناك...كيف حدث هذا؟.