والسبب كما يضيف، يتعلق بشروط أميركية ثلاثة، هي نزع سلاح "حزب الله" وتوطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين وإعطاء نصف كمية النفط التي سيتم استخراجها من مياه لبنان الإقليمية إلى إسرائيل.

ويصر السائق العاجز عن شراء الدواء، كما أخبرني، على أن معلوماته هذه مستقاة من مسؤول كبير في "ضاحية بيروت الجنوبية" حيث معقل "حزب الله"، ليوضح فصول المؤامرة بقوله ان الولايات المتحدة تريد تحويل هؤلاء اللاجئين بعد توطينهم إلى جيش يواجه مقاتلي الحزب.

بالطبع تصعب مناقشة السائق الغارق في همومه المعيشية، والذي كان حتى عشية الاتفاق السعودي/ الإيراني، يتهم الخليج العربي بكل ما ترتكبه بحقه قوى سياسية انتخب ممثليها بكامل إرادته وغرائزيته، لكن المرحلة الحالية مسحت هذه الاتهامات من وعيه ووجدانه، لتستبدلها بصب غضبه وقهره وفقره وعجزه على الشيطان الأكبر.

ولا يفيد الحوار مع سائق التاكسي، لا تُحدِث وعيا لديه الإشارة إلى أن تفقيره هو منتج لبناني بامتياز، وأن التهريب عبر الحدود مع سورية هو برعاية قوى الأمر الواقع وفائض السلاح لمصلحة مافيات المخدرات وتبييض الأموال واستغلال الأزمات المعيشية وفقدان السلع على ضفتي الحدود لزيادة الثروات، وأن التلاعب بسعر صرف الدولار في الداخل ليس صنيعة الخارج، بل صنيعة أثرياء جدد أفرزتها الأزمة المالية الراهنة، وأن الفساد يفرض توافقا تحت الطاولة بين المتخاصمين فوقها.

لا يفيد الشرح، لكن الواقع هو أن لبنان تحوَل دولة قيد التكهن، هكذا وصفه وزير سابق، وهو محق، وتحديدا بعد التسوية السعودية/الإيرانية.  فقد فقدت بوصلة القوى السياسية بشكل عام وجهتها الواضحة، وبشكل خاص بوصلة من بنى سرديته على نقيض هذه التسوية.

فالسائد هذه الأيام في تصريحات السياسيين والأحزاب هو ترجمات متناقضة للقاءات المرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، في باريس، بعد "استدعائه"، كما تم توصيف الزيارة، وذلك للحصول منه على ضمانات ترضي القوى الخارجية الرافضة دعمه حتى تاريخه.

وبالطبع لم يعلن فرنجية ترشيحه بعد بانتظار الرضى الخارجي، فهو حتى الساعة غير مطابق للمواصفات. هذا ما تسرَّب عن الإليزيه.

وستبقى فرص القبول بالضمانات التي قيل انها مطلوبة منه هي أيضا رهينة التكهن، وبانتظار أن تنقشع الرؤية، ستبقى معطيات الملف اللبناني أسيرة تجاذبات وتناقضات تُبعِد موعد الجلسة المنتظرة لتطبيق التوافق الخارجي في مجلس النواب اللبناني، وتُبقي الاستحقاق الرئاسي أسير المجهول، وإلا لما كان تشدد نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيح نعيم قاسم لجهة التمسك بفرنجية، إذا تعذّر وصوله لعدم توفر التوافق الخارجي ردا على سؤال عن مرشح بديل لدى الحزب.

فالواضح أن الحزب لا يستطيع التراجع. حساباته لا تسمح بذلك، لأن من شأن تراجعه أن يضعفه لدى سائق التاكسي وأمثاله من جمهور يتحرك بالإشارة.. لذا لا يتوقف عند مسألة إنقاذ لبنان من الانهيار، ولكن يريد أن ينقذ نفسه من الانهيار، أو صياغة التراجع إذا ما فرضت المعادلات الإقليمية غير ذلك.

ولا يهم أن الأسلوب المتبع في هذا الاستحقاق لا يزال يدور في الفلك ذاته الذي أودى بالبلاد إلى الخراب.

ولن يتغير هذا الأسلوب ما دام سائق التاكسي ومعه جميع المقهورين من الشعب اللبناني يرفضون تشخيص أمراض جماعة السلطة.. ويتجاهلون أن حاكمهم ظالمهم، وفي حين يحملون المسؤولية للمؤامرة الأميركية يصرون على أن زعيمهم هو التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ.