تتفق مدارس الفكر السياسى على أن القوة العسكرية تشكل مقوما رئيسيا فى بناء القوة الشاملة للدولة، يستثنى من هذا الدول ذات المساحات بالغة الصغر شحيحة السكان، ظلت القواعد والأسس المرتبطة بمعايير القوة العسكرية مقتصرة حتى الحرب العالمية الأولى على قوة الجيش ذاته، دون علاقة بالأبعاد الأخرى التى تتعلق بعناصر بناء الدولة الحديثة.

تلعب قوة السكان كمقوم مع الأرض فى كتلة الدولة الحيوية دورا مهما فى بناء الجيوش الحديثة، وقوة الشعوب أصبحت تقاس بما تمتلك من مستويات تعليم متميزة، وتماسك بنيتها المعنوية، ووجود روابط متينة تدمج الجماهير فى بنية سياسية صلبة، ولأن الجيش هو جزء من شعب الدولة تؤثر فيه طبيعة تكوين هذا الشعب.

تتخذ قوة السكان فى علاقتها بقوة الجيش أبعادا مركبة، بعضها تتعلق بالتركيبة الديموجرافية لسكان الدولة، حيث يحدد الحراك السكانى مدى قدرة الدولة على بناء جيش مكتمل القوة، إذ تلعب اتجاهات التركيب العمرى والنمو السكانى دورا خطيرا فى استمرار قوة الجيش، لأن الدولة التى يتضاءل عدد سكانها وينعكس ذلك بالنقصان الحاد فى الفئات العمرية من الشباب سوف تعانى قواتها المسلحة بالضرورة عند تدبير احتياجاتها من القوة البشرية.. هكذا تتجلى علاقة المراحل العمرية للسكان بالجيوش؛ لأنها ذات صلة حرجة فى ارتباط هذا البعد بالقدرة على استمرار التجنيد، والإمداد بأجيال جديدة من الشبان القادرين على حمل السلاح.

كما تؤثر الجغرافيا البشرية على استقرار القوة العسكرية للدولة، فبعض الدول متعددة ومتوزعة الأعراق تواجه حساسيات صعبة عند تسكين القيادات فى الهيكل التنظيمى للقوات المسلحة، وتوزيع الجنود على التشكيلات، وأحيانا يختل التوازن المفترض بين الأعراق مما قد يتسبب فى قلاقل واضطرابات، تصل لمرحلة الحروب الأهلية بينما يختفى هذا الاحتمال تماما فى الدول ذات الشعب الأمة.

مع تزايد التطور التكنولوجى وتعقد استخدام الأسلحة الحديثة احتل التركيب التعليمى للشباب أهمية قصوى عند اختيار وتصنيف الجنود، وعلى سبيل المثال لم يعد هناك مكان للجنود الأميين ومنخفضى مستويات التعليم فى الجيوش الحديثة؛ فى لدول ذات المكانة العسكرية المتميزة.

فالجندى فى القوات البرية مثلا سوف يدمج من خلال نوع كمبيوتر صغير يحمله على ظهره فى منظومة متعددة المهام؛ تمكنه من التواصل العملياتى السهل بقادته وأقرانه من الجنود، وتكشف له ميدانيا المساحات غير المرئية بالعين المجردة، وتدعمه بالتحديد الليزرى الدقيق للأهداف، وتحديد موقعه من خلال ربطه بمنظومة GPS وتزويده بالخرائط والرسوم، وتلعب مستويات التعليم الأكثر رقيا فى شرائح السكان من الفئات العمرية الأكبر سنا دورا بارزا فى تعزيز وتطوير الاحتياجات العلمية فى المجالات التقنية الدقيقة اللازمة للسلاح والمعدة العسكرية.

طبيعة انتشار وكثافة السكان فى مساحات أقاليم الدولة على اختلاف تباعدها عن المركز هو أحد العوامل التى تؤدى إلى رسم خطط التوزيع الاستراتيجى للقوات، لتغطية أى تخلخل سكانى فى إطار خطة تأمين الاتجاهات الاستراتيجية، وهنا تبرز الأهمية لزاوية أخرى هى مدى تأثير الكتلة الحيوية للدولة فى العلاقة بين السكان من حيث التعداد؛ والأرض من حيث المساحة والموقع الجغرافى، وانعكاس هذه المعطيات على وزن الدولة إقليميا ودوليا، مما يستدعى بناء قوات مسلحة قادرة على تعزيز النتائج المترتبة على كتلة الدولة الحيوية.

تمثل الأوضاع اللوجستية للدول عنصرا مهما فى حسابات قياس قوة الجيش، فكلما كانت شبكة الطرق البرية الداخلية تغطى كثافات التحرك والمرور فى أرجاء البلاد بأطوال كافية داخليا، وفى امتداتها الإقليمية، مع وجود شبكة سكك حديدية تنتشر خطوطها على محاور البلاد الرئيسية، هذه الطرق والسكك الحديدية تؤمن التحركات العسكرية الداخلية؛ مهما اتسع نطاقها، وتكفل نقل إمدادات السلاح للجبهات المختلفة عند اندلاع العمليات العسكرية أو الاستعداد لها، وتساعد على تلبية احتياجات القوات الموجودة فى مناطق نائية لدواع استراتيجية، فضلا عن الإمداد بالاحتياجات الإدارية الروتينية الدائمة فى وقت السلم.
عدا القواعد البحرية والجوية العسكرية التى تمتلكها القوات المسلحة تحتل المرافأ المدنية من الموانئ والأرصفة البحرية المنتشرة بتوزيع يتلائم مع أطوال سواحل البحار والمحيطات قيمة كبيرة فى تقييم الجيوش، نظرا لأهميتها فى تأمين الإمدادات الخارجية للدولة ومنها ما يحتاجه الجيش بالطبع، كما أن وجود المطارات ومدارج الهبوط فى كل أنحاء الدولة يساعد القوات الجوية فى أوقات الحرب على مضاعفة وسهولة عمليات الهبوط والإقلاع عند الضرورة.

ترتبط قوة الجيش بقوة أقتصاد الدولة ارتباطا وثيقا، لأن متانة الاقتصاد تحقق إمكانية الإنفاق المكلف للقوات المسلحة، وإذا كان عناصر القوة الاقتصادية تتجلى فى قدرة الإنتاج الصناعى وما يتوافر فى الدولة أو يتم توفيره من مصادر خارجية من موارد وخامات ومواد أولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر يمثل الوقود الأحفورى من بترول وغاز عنصرا حتميا للطاقة والصناعة، والأنشطة اللوجستية، وتنسحب جذريا أهميه الوقود الأحفورى بعد استيراد أو توفير مشتقاته فى معامل التكرير الوطنية فى دورة الاقتصاد على القوات المسلحة بقوة .. إن إمكانية التطوير والتوسع الأفقى والرأسى وتلبية الاحتياجات مطالب لايمكن الوفاء بها للجيوش إلا من خلال التماهى الحاسم مع اقتصاد منيع.

أيضا وبصفة عامة يعمل الاستقرار الداخلى من خلال التوازن الاجتماعى والأحوال المعيشية المستقرة والسياسة الإعلامية الفاعلة على بزوغ الروح المعنوية المرتفعة للشعب، مما ينعكس على قدرة الجيش التى يعظمها التطور العلمى والتقنى لمؤسسات الدولة، كما يشحذ من همة الأفراد فى القوات المسلحة من قادة وجنود الهيبة السياسة والدبلوماسية للدولة فى محيطيها الإقليمى والدولى.