وما اليوم الدولي الذي يحييه "البودكاسترز" في الثلاثين من سبتمبر إلا رسالة مُزاحَمة شديدة لليوم العالمي للإذاعة الذي تنتظره هو الآخر تحديات كبيرة عند حلوله في شهر فبراير المقبل أمام التقدم الكبير والانتشار اللافت للبودكاست كثقافة تدوين صوتي نجحت في ارتداء كل الحلل المطلوبة واللازمة لمواكبة زمن التسارع بهدف إيصال المحتوى الرشيق بأبسط لغة وأداء وحوار وتفاعل.

هو ببساطة "الترند" الذي استهوى الكثيرين قبل تكوين ثقافة وافيه عنه وعن طرق الاعداد له وعن اختلافاته عن العمل والحوارات الاذاعية المعهودة فأسهمت المحاولات وإن جاءت متسرعة في خلق مساحة مهولة من العصف الذهني عادت وتأطرّت في أفكار متخصصة فحصلت التنقية وتم الفرز المُنظّم مُبعدا عن البودكاست سمة العشوائية ومُرسيا الى حدود كبيرة نوافذ مركّزة للمحتويات الصوتية في شتّى المجالات.

الانتصار للصوت.. رغم إبهار الصورة

الأصل كان وما يزال للصوت، وعلى هذا الأساس صُممت منصات البودكاست الحاضرة على شبكة الانترنت وفي متناول المستخدمين على هواتفهم الذكية وأجهزتهم غير أن عامل الصورة الذي تدخّل لم يحرم ذلك المُنتج التفاعلي بريق الظهور والانتشار بقدر ما أثقله بتحديات التطور والتفوق على نفسه من أجل للانتصار أولا وأخيرا للصوت مهما جاءت محاولات الابهار المرئي مرة بالتصاميم الغرافيكية الجذّابة ومرّات بالديكورات المحيطة بمقدمي ومقدمات المحتوى ومرات كثيرة أحيانا بإسقاط تجارب تلفزيونية تقليدية على البودكاست وهذا بالتحديد ما لم يُعمّر كثيرا لأنّ التفاعل واللون الحواري المتجدد شكّلا بكلّ بساطة نقطة انطلاق كل الطامحين لدخول هذا العالم.

الإختصار ليس القاعدة!

المُدد كسرت هي الأخرى قناعات ديكتاتورية رجحت كفة الاختصار لسنوات عديدة وإذ ببعض محتويات البودكاست المطروحة على التطبيقات وكل مواقع ووسائل ومنصات التواصل تقول العكس محققة أرقاما كبيرة من المتابعات رغم تخطيها الدقائق الخمس والعشرين والساعة أحيانا، كلمة السر فيها التفاعل والحوار العفوي المركّز.

مؤثرون جدد!

عامل آخر نجح البودكاست في تحقيقه ويتعلق بفتح مروحة واسعة من الضيوف كانت القوالب الإعلامية والصحافية الأخرى تفضّل إقصاءها لطابعها التفصيلي الذي يحتاج فرد مساحات كبيرة من الوقت لا تتلاءم مع "زمن الاختزال والاختصار".

صحيح أن الإذاعة بقيت حتى وقت قريب غير مقصرة مع هؤلاء مخصصة لهم دقائق معقولة، ولكن مع البودكاست وانتشاره عبر المنصات أمكن إراحة هذه الفئة التي باتت قادرة على الاطلالة الواثقة والكافية والوافية للحديث عن مشاريع وبصمات مع مناخات مذهلة لتوجيه الرسائل والتواصل مع المجتمع.

فرواد الأعمال، أصحاب المشاريع الصغيرة، ناشطو الجمعيات والمجتمع المدني وحتى المثقفون والفنانون والكتاب والشعراء بات لهم منصتهم الملائمة لحوار العُمر مع مُحاور يعرف نقاط قوتهم وضعفهم لمجرد اختيارهم مادة لبرنامجه أو فقرته أو وقفته.. لم تعد الأسماء تهم!

الأفكار تتمدد.. وتفجر النقاش

من العوامل المريحة كذلك، غنى المحتويات الذي توفّر على مستوى فكرة بحد ذاتها أو أفكار متقاربة ومتشابهة، فعبر البودكاست عاد الاعتبار للاسقاط السياسي والعلمي والثقافي والنفسي والمجتمعي على قضايا وملفات عوّدنا الاعلام التقليدي بأن تناولها يقتصر على آخر نتيجة حقّقها وليس على المُعطى الحقيقي الذي أسس إليها وإلى كل تفاصيلها!

أسرار اقتصاداتنا: الكبيرة والصغيرة

أما العامل الأهم في ظل التنافسية المالية والاقتصادية الحاصلة اليوم، دخول وجوه كانت مغرقة بعالمي المال والأعمال مكتفية باطلالات إعلامية سريعة تتناول نتائج أو نجاحات أو أرباح والبودكاست اليوم سيوفر لهم مساحة دعائية متوازنة تروج للمشاريع لكنها في الوقت نفسه تعرف المستمع بالدروب المؤدية الى نجاح المشاريع وأرباحها.

يمكن القول ختاما، أن البودكاست يدغدغ اليوم مشاعر كثيرين.. أفكار كثيرة يتم تقليبها وتحضيرها لانضاجها بأفضل المعالجات .. وأرشيف ودفاتر قديمة تتجدد .. وأفكار بسيطة تتضح ضخامة أهميتها .. ومستمعون يتقولبون هم أيضا مع التجديد.

لن ننتظر كثيرا هذه المرة، وكل الأصداء إيجابية جاءت أم سلبية ستكون حافزا لتطوير وتفعيل قالب البودكاست الذي ينصف الكثير من حشريات المتابعين.

ولا خوف يسجّل من الصورة، فطالما البودكاست المصوّر مضطر في نهاية الأمر الى الترويج للمنصّة الصوتية التي ستبثّه تحقيقا للأهداف الربحية والتجارية والتفاعلية، فإنّ شبح الاستماع يبقى هاجسا يرافق المعدين والمقدمين والانتصار حاصل للصوت في الحالتين.