ففي هذه الحرب تنازعت الدول الأوروبية فيما بينها لإعادة رسم الحدود داخل القارة العجوز وتعزيز السيطرة على المستعمرات في إفريقيا وآسيا، أو استعادة وضع اليد عليها من الدول التي فقدتها في صراعات سابقة، مما أسفر عن الصدام العسكري في ظل مناخ عام من استشراء الأزمة الاقتصادية، أشعلت المواجهة بين الأنظمة الديمقراطية والفاشية للسيطرة على الأسواق الخارجية، لا سيما بعد تطبيقات الحماية الجمركية.

شهد الصراع المسلح في الحرب العالمية الثانية تغيرًا جذريًّا، تمثل في التحول إلى نمط التعبئة الشاملة لكل مقدرات الدول بسبب تجاوز مسارح الحرب نطاقات القتال المحدودة بين قوات الجيوش المتحاربة، في ظل اتساع وتعدد مسارح العمليات، يضاف إلى ذلك تفاقم القصف الاستراتيجي من الجو الذي لم تسلم منه المدن والقرى، وقد أودى هذا القصف فقط بحياة ما يزيد على مليوني مدني، لينتهي مأساويًّا مشهد القصف الأخير بإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي، لذلك كان من اللافت في هذه الحرب للمرة الأولى عبر تاريخ الحروب تقارب أعداد الضحايا من المدنيين، مقارنة بمثيلتها من العسكريين، حيث شملت العمليات العسكرية قارات العالم القديم في آسيا وأوروبا وإفريقيا التي تسمى لدى بعض الجغرافيين بجزيرة العالم.

إنها حرب الصراع الأبدي بين الإمبراطوريات التي لا تعرف سوى الهيمنة وفرض السطوة وتحقيق المصالح على حساب الآخرين، والأضعف دائمًا هو مَن يسدد الفاتورة، إنهم الشعوب الصغيرة والمحتلة التي يجرفها تيار الحرب نحو مزيد من الاستلاب والنهب، وبالمثل كانت الحرب العالمية الثانية تدهس في سبيل بسط النفوذ والتوسع بلدانًا كاملة دون اكتراث بمقدرات هذه البلدان أو اهتمام باحتياجات المعيشة الضرورية لسكانها بعد نهب أقواتهم لتغطية متطلبات الحرب التي لا ناقة لشعوب المستعمرات فيها ولا جمل، كما جلبت الدول الاستعمارية شباب هذه المستعمرات، إما للمشاركة في العمليات القتالية أو القيام بمهام لوجستية وحفر الخنادق في استخدام أقرب إلى السخرة والاستعباد.

بامتياز كانت الحرب العالمية الثانية هي حرب الأبعاد الأربعة المقصود بها معارك البر ومعارك البحر التي انقسمت إلى نوعين؛ الأول: معارك السطح التي تخوضها السفن الحربية فوق صفحة الماء والآخر: معارك أعماق المياه التي تخوضها الغواصات، أما البعد الأخير من الأبعاد الأربعة فقد تمثل في حروب الجو التي كانت بدائية في الحرب العالمية الأولى، لكنها تطورت بقفزات هائلة في وأصبحت عاملًا جوهريًّا في إدارة العمليات طوال مدة هذه الحرب.

عبر تاريخ الحروب منذ أن عرفت البشرية النزاعات العسكرية، كانت الحرب العالمية الثانية هي الحرب الأولى وربما كانت الأخيرة التي جرت وقائعها فوق كل أنواع التضاريس على سطح الكرة الأرضية، ففي شمال روسيا وفنلندا دارت المعارك في مناطق جليدية، وفي المسرح الأوروبي جرت المعارك في الأراضي الزراعية والغابات، وفي بعض الأقاليم دارت معارك جبلية، وعند اجتياح الدول كانت تدور معارك المدن، وكثيرًا ما كان هناك عبور للأنهار.. وما كانت هذه الحرب لتخلو من حروب الصحراء ونموذجها الأمثل معارك شمال إفريقيا التي أبدع فيها رومل القائد الألماني الفذ، وانتهت أسطورتها في منطقة العلمين شمال غرب مصر.

اتصفت الحرب العالمية الثانية بأنها كانت تشمل كل أشكال المعارك التي عرفتها الحروب، ومنها بالطبع المعارك الهجومية، وفي مقابلها المعارك الدفاعية والمعارك التصادمية التي تتم بين قوات في حالة حركة، لكن المفاجأة الأكثر إثارة كانت الحرب الخاطفة BLITZKRIEG التي تعتمد على الاختراق السريع للثغرات والوصول إلى أعماق خطوط القوات المعادية بالمدرعات التي تلحق بها المشاة الميكانيكية لاستغلال الاختراق في تحقيق النتيجة الحاسمة، واتسمت المعارك لأول مرة بعمليات الإبرار الجوي، وتعاقبت أثناء الحرب عمليات الانسحاب والمطاردة وحصار المدن. كانت أسطورته حصار مدينة ستالينغراد التي استبسل أهلها وأفشلوا استيلاء الألمان عليها، وبحريًّا دارت معارك الهجوم بمحاذاة شاطئ والهجوم على شاطئ، وكان من أهم أشكال المعارك التي أحدثت الانقلاب في مجرى الحرب الإبرار أو الإنزال البحري الضخم، والأعظم في تاريخ الحروب الذي قام به الحلفاء في نورماندي.

من أخطر ظواهر الحرب العالمية الثانية، فداحة أعداد القتلى من المدنيين على مدار السنوات الستة التي استمرت فيها العمليات العسكرية نتيجة اتساع مسارح العمليات التي بلغت 18 مسرحًا، بينما كانت مسرحين فقط في الحرب العالمية الأولى، وأدت اجتياحات النازي لبلدان أوروبا واجتياحات اليابان لدول من جنوب شرق آسيا وانتقام الحلفاء في نهاية الحرب إلى أكثرية خسائر المدنيين التي لم تعرف الحروب مثيلًا لها من قبل.. وتذهب التقديرات الموضوعية غير المبالغة إلى أن أعداد الضحايا تجاوزت في مجملها ما بين العسكريين والمدنيين 50 مليون قتيل.

اتسمت آلة الحرب في المعارك والاجتياحات التي دارت بأنها كانت أكثر فتكًا وقدرة على التدمير والإبادة، أسفرت علاوة على الخسائر البشرية عن تدمير مدن بالكامل، وتركت وراءها عالمًا من الخراب، وفي الحرب العالمية الثانية ظهرت على استحياء الصواريخ التي سوف تصبح سلاح الرعب فيما بعد الأقوى من المدفعية الثقيلة والأبعد في المدى من الطائرات، حتى إنها صارت عابرة للقارات وظهر السلاح النووي، السلاح الرهيب الذي رغم مخاطره وقدرات مخزونه الآن على تدمير الأرض عدة مرات فإنه سوف يمنع الحرب بين الدول العظمى بما يحققه من توازن الرعب.