يمكن القول إنه بدأ نشاطه الفكري من خلال الصحافة عندما التحق بجريدة "ديلي تليغراف" الشهيرة، اعتبارا من سنة 1925، واستمر فيها لمدة عشرة أعوام كناقد متخصص في مجال البحث العسكري، مستثمرا خبرته الشخصية التي كونها أثناء مشاركته في الحرب العالمية الأولى، وكان من الجرأة أنه استطاع أن يغرد خارج السرب طارحا أفكارا جديدة تتجاوز الفكر المألوف في مجال الاستراتيجية العسكرية من خلال التنبيه لأهمية الاعتماد على التشكيلات المدرعة سريعة الحركة.

طور هارت نظرية أحدثت ثورة في جوهر المفاهيم الاستراتيجية المتوارثة وأسس رؤيته بناء على خبراته في ميادين القتال واستقراء تاريخ الحروب عبر القرون، وتتبدى خلاصة هذه النظرية التي أطلق عليها "الاقتراب غير المباشر" في إطار عام يتمثل في الالتفاف حول المواقع والخطوط الدفاعية المحصنة الرئيسية، وتجنب الاشتباك مع العدو إذا اقتضت الضرورة، وذلك من خلال إجراءات يمكن إيجازها في تجنّب الصدام المباشر مع الكتلة الرئيسية للقوات المعادية في مسرح العمليات، والمناورة الفائقة بالقوات والنيران عن طريق تقدم القوات من محاور غير متوقعة، وتوجيه ضربات ساحقة ضد أضعف نقاط القوات المعادية، والوصول سريعا إلى أبعد مناطق مؤخرة القوة الرئيسية وحشد قوات العدو من أجل إحداث الارتباك والانهيار النفسي في صفوف قواته وتحديدا لدى قياداته، وربط نجاح الاختراق بالقدرة على قطع محاور الإمداد وخطوط المواصلات في العمق لتفتيت الاحتياطيات وإرباك وإعاقة السيطرة على القوات.

تحتاج استراتيجية الاقتراب غير المباشر إلى جرأة من متخذ القرار عند بدء تنفيذ الهجوم نظرا للاستخدام الشاق غير النمطي لهذه الحالة من المناورة بالقوات، وهي مناورة بالغة التعقيد تتطلب مزيدا من الدقة واليقظة التي تختلف جذريًّا عن مناورة الاقتراب أو الهجوم المباشر، فالاقتراب غير المباشر يستدعي قدرات ومهارات فكرية وفنية فائقة وقوات على مستوى عالٍ من التدريب والروح المعنوية.

قوبلت رؤية ليدل هارت عن الاقتراب غير المباشر من بنى جلدته في المؤسسة العسكرية البريطانية بالنفور والإحجام إلى حد التجاهل التام، وإن كان قائد فرنسيّ هو "ديغول" قد أبدى اهتماما بآراء "هارت"، لكن الأخطر هو الأعين المدربة في (الفيرماخت (بالألمانية: Wehrmacht قوات ألمانيا الموحدة من عام 1935 إلى 1945 التقطت هذه العين ما كان يكتبه هارت، وأدرك الخبراء العسكريون الألمان الأهمية القصوى لهذه الأفكار الجديدة، واستلهموا النظرية وطبقوها، وكان نموذجهم التاريخي هو الالتفاف حول "خط ماجينو" الدفاعي الثابت بالغ التحصين الذي التفت حوله قوات البانزر الألمانية (المدرعات) من ناحية الشمال الشرقي، وبعد تفادي هذا الخط تحركت القوات الألمانية المدرعة والمشاة الميكانيكية خفيفة الحركة في الأراضي المفتوحة بكل سهولة نحو باريس لتسقط التحصينات والقوات المدافعة كقطع الدومينو. وقد أثيرت اتهامات بدفعه للجنرالات الألمان الأسرى إلى المبالغة في استلهام نظريته في تطوير تكتيكات الحرب الخاطفة.

لا يغيب البعد السياسي بطبيعة الحال عن المنظور الاستراتيجي لليدل هارت، عندما أشار إلى أن البعد العسكري في الاستراتيجية ليس غاية في حد ذاته، لكنه إحدى الوسائل والأدوار المهمة في تعزيز سياسة الدولة وأهدافها، وهنا تتبدى من وجهة نظره أهمية الاقتراب غير المباشر، سواء تمت الحرب أم لا، وهو ما أصبحت تعبر عن أدبيات السياسة الدولية المعاصرة منذ أن قال سلفه "كلاوزفيتز" عبارته المدوية "إن الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى".

في أعقاب انتصار الغرب والسوفييت على النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية أورد ليدل هارت، في مقدمة كتابه "الاستراتيجية وتاريخها" عبارة بليغة تقول: "لم تستطع القنبلة الهيدروجينية إيجاد الحل الأكيد الذي ينتظره الغربيون الراغبون في ضمان أمنهم بشكل مطلق نهائي"، هكذا تنعكس قدرة أصحاب البصيرة على استشراف جوانب في المستقبل تغيب عن التوجهات السائدة التي تهيمن على ساحة الرأي، وبالفعل شهد العالم الكثير من الحروب المحدودة وانتشار الجماعات المسلحة وتفشي الإرهاب لدرجة طالت برجي التجارة في نيويورك وصدقت نبوءته عندما قال عن السلاح النووي "إن الثقة التي وضعها رجال الدولة في دور هذا السلاح الرادع وهم وسراب"، لذلك نعته "جون كيندي" بلقب "النقيب الذي يعلم الجنرالات" حيث كان يستخدم آراءه لمهاجمة إدارة آيزنهاور التي كانت تعتمد بدرجة كبير على دور الأسلحة النووية.

تبنّى هارت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجهة نظر "الفيرماخت النظيف" لأغراض سياسية، عندما استدعت الحرب الباردة تجنيد جيش ألماني غربي جديد، وقد نالت زيارته لإسرائيل سنة 1960 اهتماما غير مسبوق لم يحظ به أي زائر أجنبي حتى ذلك الوقت، ووضع طبقًا لنظريته الخطة لاحتلال سيناء، وهي الخطة التي نفذها الجيش الإسرائيلي بحذافيرها.

في عام 2006، أفصحت MI5 عن ملفات أظهرت وضع ليدل هارت تحت مراقبة لصيقة عام 1944 بسبب إعداده ورقة بعنوان "بعض التأملات في مشاكل غزو القارة" قبل غزو الحلفاء لنورماندي كان قد وزعها على الشخصيات السياسية والعسكرية رصد فيها المشكلات نفسها، وتوصل إلى استنتاجات مطابقة لتلك التي أقرتها هيئة الأركان العامة للحلفاء، مما جعل الشكوك تحيط به، لكنهم توصلوا نتيجة المراقبة إلى عدم تورطه في أي نشاط تخريبي، ومنحته ملكة بريطانيا وسام الشرف بدرجة فارس في عام 1966.