يوم عن يوم تعلو وتيرة النمو التكنولوجي الفائق في صناعة الدرون، لأن الخبراء والمخططين كانوا يدركون قدراتها المستقبلية غير المحدودة التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية هائلة في قدرات الجيوش وتطبيقات بلا حصر للجوانب المدنية، لا سيما أن تكلفة صناعتها وصيانتها وتدريب المستخدمين عليها تعتبر زهيدة للغاية مقارنة بالوسائل الأخرى التي تحل الدرون بدلًا منها.
تظهر المقارنة بين طائرات القتال التقليدية والدرون أن الأخيرة تختصر الإجراءات الفنية المعقدة التي يلزم اتخاذها قبل إقلاع الطائرات الحربية، إضافة إلى أن طائرات القتال الكلاسيكية يجب أن توفر جوانب كثيرة من احتياجات الطيار في المقصورة المزدحمة بالعدادات التي تشير إلى أدوات التحكم في الطائرة والمقتضيات البيئية؛ مثل الضغط والأكسجين ومناحٍ فنية وتكتيكية متعددة، ومن ثم أدى الإفلات من كل هذه الاحتياجات إلى عدم الحاجة إلى المقصورة بكاملها وإلى الطيار نفسه.
إضافة إلى إلغاء مقصورة القيادة الذي يساعد على تقليل وزن الطائرة الدرون، هناك عامل آخر أكثر أهمية يتمثل في إمكانية استخدام خامات ولدائن في صناعة الهيكل والبدن تقل في وزنها كثيرًا عن تلك المستخدمة في الطائرات التقليدية، كما تم تطوير نماذج تستخدم تقنيات الطاقة الشمسية للتغلب على مشكلة تزويد الرحلات الطويلة بالوقود، مما سينعكس عميقًا على طبيعة الحرب الجوية، علمًا بأن الدرون لا تحتاج إلى قواعد جوية مكلفة تحتل مساحات كبيرة من الأرض ولا إمكانيات لوجستية مرهقة.
بدأ الاستخدام العسكري لهذه النوعية تحت مسمى (unmanned aerial vehicle) أي المركبة الجوية دون طيار، ثم شاعت مصطلحات أخرى باللغة العربية؛ مثل الطائرات المسيرة، واستقر الأمر بدرجة ما على استخدام مصطلح (drone) بنفس مسماه في اللغة العربية لشيوع الاستعانة بأنواع منها في الاستخدامات المدنية على كثرتها.
كان أول ظهور عملي للدرون عسكريًّا يعتمد على نوعية من الطائرات الخفيفة والصغيرة تستخدم في عمليات الاستطلاع وإتاحة مراقبة تكتيكية تتيح للقائد الميداني في التشكيلات حتى كتيبة ولواء قدرة اتخاذ القرار المناسب بناء على مشاهدة واقعية لتطور أعمال القتال على الأرض من خلال الشاشة المرتبطة بكاميرات الدرون التي تطورت لاحقًا لتغطي قدرات مراقبة تعبوية واستراتيجية في مسارح العمليات على اتساعها توفر للقادة في مراكز القيادة السيطرة إمكانيات غير مسبوقة في اتخاذ القرار.
لم تتوقف شهية استخدام الدرون عسكريًّا عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى إمكانيات أبعد لا تقل في أهميتها عن طائرات القتال التقليدية، وأصبحت أقرب في تكوينها إلى طائرات مقاتلة متعددة المهام قادرة على قصف الأهداف المعادية على نطاق واسع برًّا وبحرًا، وفي مجال آخر بعيدًا عن الدرونات ثابتة الأجنحة يستعان في مهام محددة بنوعية أخرى شبيهة بالمروحيات.
كابد العلماء لفترة طويلة من مشكلة عدم قدرة الدرون على العمل في مجال جوي مزدحم، مما يعرضها لاصطدامات خطيرة، وكان هذا سببًا في صعوبة تحليق الدرون في أسراب، لكن تم التغلب على نقطة الضعف هذه من خلال خوارزميات الذكاء الصناعي التي استطاعت أن تفيد من خلال برمجة خاصة في تحاشى الصدام في بيئة طيران مزدحمة أو مناطق ضيقة.
التطور الأحدث الأهم والأخطر للدرون المستخدمة عسكريًّا، يتمثل في نجاح الولايات المتحدة في إنتاج نوعية جديدة صنع جسمها بالكامل من ألياف الكربون التي لا تستطيع أي نبضات رادارية أن تلتقطها مهما بلغت حساسيتها، وبذلك فهي تحقق قدرة إخفاء كاملة وغير قابلة للاكتشاف مطلقًا إلا بالعين المجردة، وهذا غير ممكنٍ للطائرات على ارتفاعات عالية.
شهدت الدرون في المجال العسكري طوال السنوات الفائتة عمليات تطور كبيرة شملت قدرات المكوث لفترات طويلة محلقة في الجو، وزادت سرعاتها بدرجة ملحوظة، وتعززت إمكانياتها بالتقدم الفائق في تقنيات الكاميرات والمستشعرات المستخدمة والقذائف الموجهة والصواريخ الأحدث في ترسانات الأسلحة، وفيما يلي نماذج من الدول الرئيسية في إنتاجها:
في عام 2009، أطلقت الولايات المتحدة "المنتقم" أو طائرة "Predator C "Avenger وهي درون طورت منها أجيال لاحقة يصل وزنها عند الإقلاع إلى 8.2 طن، مزودة بوسائل استشعار متعددة لها نقاط تعليق خارجية ومخازن ذخائر داخل جسم الطائرة، تستطيع معها حمل 3 أطنان من الذخائر المختلفة تشمل صواريخ، وقذائف موجهة. تستطيع التحليق بسرعة تصل إلى 745 كم في الساعة، ومدة طيران متصل تصل إلى 20 ساعة، ويمكنها التحليق على ارتفاعات تزيد على 15كم.
الصياد الضارب "أخوتنيك": شبحية روسية أطلقت تجريبيًّا في مارس 2019 لم تدخل الخدمة بعد يبلغ وزن الدرون أوخوتنيك 25 طنًّا منها 2800 كيلوجرام وزن الأسلحة في نقاط تعليق خارجية ومخازن داخلية يصل مداها إلى 5000 كيلومتر، وتصل سرعتها إلى 1000 كيلومتر في الساعة. يرى الروس أنها درون خارقة لا يضاهيها أي نموذج من فصيلتها.
سي إتش5: درون صينية تقتنيها بعض الدول العربية، الوزن الكلي للطائرة 3300 كيلوغرام، تحمل 1200 كيلوجرام من الأسلحة، أقصى مدى من خلال التوجيه بالأقمار الصناعية 2000 كيلومتر ومسافة 250 كم، بدون هذا التوجيه تحمل 16 صاروخ جو/ أرض موجهة بالليزر، يمكنها التحليق لمدة 60 ساعة وأقصى ارتفاع لها 6144 مترًا.
هيرون: درون إسرائيلية أقصي وزن للإقلاع 1150 كغم تبلغ سرعتها القصوى 207 كم في الساعة ومدى يصل إلى 3300 كم وأقصى ارتفاع 10668 متر بحمولة تبلغ 250 كغم قادرة على التحليق لمدة 50 ساعة، وهى مجهزة للاستطلاع الاستراتيجي، تقتنيها 11 دولة منها الهند وفرنسا وكندا والبرازيل والمغرب.