الزمان: يوم الأحد 5 أغسطس 2012 الموافق 17 رمضان 1433

المكان: فيلا الدكتور موسى أبو مرزوق في القاهرة الجديدة

وصلت قبل موعد آذان المغرب بنحو عشرين دقيقة وكان الدكتور موسى في استقبال المدعوين، وعلى مائدة الإفطار بدأ صاحب الدعوة بعد الترحيب بالمدعوين في حديث ودي يهدف إلى التأكيد على أن حركة حماس لا تريد إلا الخير لمصر وشعبها، وهي – أي الحركة - لن تكون أبدا شوكة في خاصرة أم الدنيا، وهي – أي الحركة أيضا - رغم انتمائها الفكري لجماعة الإخوان فإنها حريصة كل الحرص على أن تبقي على مسافة من ممارسات الإخوان في حكم البلاد، لأن ما يهم حماس في المقام الأول هو الشعب المصري الذي كان وسيبقى داعما للشعب الفلسطيني بغض النظر عمن يحكمه.

تحدث الرجل باستفاضة في هذا الجانب، وسمع من الحضور انتقادات حادة لعلاقة حركة حماس بالإخوان وتحذير من أن تكون غزة وهي تحت حكم الحركة نقطة انطلاق لتهديد أمن مصر، فكان رده: هذا أمر محل اتفاق من الجميع داخل الحركة بل وستعمل على مواجهته إن حدث، مضيفا: ونأمل أن تدرك الجماعة الوطنية المصرية هذا الأمر وتقطع الطريق على من يحاولون تشويه " المقاومة".

في هذه اللحظة وبينما كنت أتحدث مطالبا بأن تكون أفعال الحركة وتصرفاتها مؤيدة لما يقوله الدكتور موسى أبو مرزوق.

جاءني اتصال من أحد الزملاء الصحفيين المحليين في سيناء.

فاستأذنت للرد على التليفون.

خبر المذبحة

ابتعدت قليلا كي أتمكن من الرد على التليفون ومعرفة ما يحمله الاتصال من أخبار، تمنيت ألا تكون سيئة.

لكن للأسف كان الخبر المنقول عبر الهاتف هو خبر الهجوم على الجنود المصريين قبيل آذان المغرب فيما كانوا يتهيأون لتناول الإفطار.. قال المتصل: شهدا كتير، الله يرحمهم وربنا يستر، الهجوم أكبر من أي حادث شهدته سيناء من قبل.

أعدت على المتصل ما قاله من معلومات لتأكيد الخبر فأكد ما قاله.

أغلقت الهاتف واتصلت بصحفي آخر من سيناء للتأكد من صحة المعلومة فأخبرني بذات المضمون مع عدم معرفته مزيدا من التفاصيل.

نقلت الخبر للزملاء في غرفة أخبار سكاي نيوز عربية وتواصلت مع زملائي في مكتب القاهرة لترتيبات السفر فورا إلى شمال سيناء.

وبعدها عدت للمجتمعين على مائدة حوار ما بعد الإفطار فأخبرتهم بالخبر وقلت للدكتور موسى: بعد هذا الحادث ستكون مهمتكم في دفع التهمة عن أنفسكم أكثر صعوبة.

واستأذنت في الانصراف.

في موقع الحادث

وصلت موقع الحادث صباح اليوم التالي لوقوع الجريمة وكانت المعلومات تتوالى عن الهجوم وكيف تم تنفيذه وحصيلة ضحاياه.

كان الحزن يلف المكان، والكل يتساءل في حسرة كيف يحدث ذلك، ولماذا، ومن المستفيد؟

التقيت ساعتها بعدد من الأهالي، ونائب برلماني من الإسلاميين جاء إلى المكان حين عرف بوجودنا.

كان يدافع عن " التنظيمات الإسلامية" ويستبعد تماما أن يكون إحداها متورط في هذه الجريمة البشعة.

لكن الأجواء وما سمعته من الأهالي بعيدا عن الكاميرا كان يشي بغير ذلك.

بعدها التقيت بأحد شيوخ السلفية الذي رحب بالحديث معنا دون تصوير، كان كلامه يشير إلى أن التنظيمات "الجهادية" لا تعتبر الجيش المصري عدوا، فعدوها الأساسي هو إسرائيل ومن يدعمها.

وحين سألته هل تعتقد أن هناك من بين تلك التنظيمات من يمكن أن يرفع السلاح على الجنود المصريين؟

ولى وجهه صوب نافذة خلفي وصمت قليلا كأنه يبحث عن كلمات مناسبة للرد وقال: يمكن لكن هذا لم يحدث حتى الآن وأنا أستبعد أن يكون منفذو هذا الهجوم من التنظيمات "الجهادية" ثم رفع صوته قليلا كأن فكرة قد لاحت له فجأة: أنا متأكد من أن إسرائيل هي التي تقف وراء هذا الحادث.

الجيش يعود إلى سيناء

وارتدت مصر ثوب الحداد على شهدائها المغدورين مع آذان المغرب، لكن المطالبة بالثأر كانت حاضرة بقوة، لتعود قوات الجيش بأسلحتها الثقيلة إلى سيناء لأول مرة بعد اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام.

كنت هناك أنقل على الهواء مباشرة حركة القوات على الطريق الدولي متوجهة إلى رفح، وبدأت عمليات تمشيط المنطقة الحدودية وهدم كثير من الأنفاق التي كانت بين رفح وقطاع غزة، ولمست فرحة أبناء سيناء بعودة قوات الجيش.

وفيما كنت أواصل التغطية قرب الفندق الشهير بالعريش، كان كثير من أبناء سيناء ممن أعرفهم أو لا أعرفهم يتابعونني ويتبادلون أطراف الحديث معي بعيدا عن الكاميرا.

قال أحدهم وهو شيخ ستيني: ربنا ينصرهم بس الحكاية مش سهلة.. للأسف يا ولدي رفح والشيخ زويد والعريش كمان بقت مليانة سلاح، واحنا البدو ما بنرفعش السلاح إلا لحماية الأرض والعرض، وعمرنا ما رفعنا سلاح على جيشنا لكن دول – يقصد التنظيمات الجهادية المسلحة – عملوها وهيعملوها عشان حاسين إن ليهم ضهر بيحميهم، بس ربنا هينصرنا عليهم بإذن الله هما واللي بيحميهم.