يثير تطبيق "تيك توك" المملوك من قبل شركة "بايت دانس" الصينية مخاوف العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وفي طليعتها "فيسبوك" و"تويتر" و"سناب شات" و"يوتيوب"، وذلك لتنامي الإقبال عليه، وزيادة حصته من سوق الإعلانات العالمية.
فالتطبيق الذي أسر الشباب والمراهقين، بات من أبرز التطبيقات الاجتماعية خلال مدة زمنية قصيرة، وهو في طريقه لتحقيق إنجاز عظيم، إذ يتوقع محللون أن تتجاوز عائداته الإعلانية في هذه السنة كلا من "تويتر" و"سناب شات" مجتمعين، بينما سيصل لذات الأرباح التي يجنيها "يوتيوب" من الإعلانات في غضون عامين فقط، أي قرابة 23.6 مليار دولار، في إنجاز يعد أسطوريا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التطبيق الصيني أطلق بعد 12 عاما من تقديم "غوغل" لمنصتها.
ونجح "تيك توك" في العام الماضي بتخطي "الاستراحة الرقمية المفضلة لجيل الشباب والعشرينيات"، موقع "سناب شات"، من حيث العائد الإعلاني، كما أنه سيتمكن من أسر "الطائر الأزرق" "تويتر" بحلول نهاية 2022.
ومع زيادة الإنفاق الإعلاني عبر منصات التواصل، تشتعل المنافسة في استقطاب المستخدمين الذين هم عماد هذه الصناعة، وهنا تتفوق "تيك توك" التي وصلت إلى مليار مستخدم في 2021 بعد أربع سنوات من إطلاقها، أي نصف المدة التي استغرقها كل من "فيسبوك" أو "يوتيوب" أو "إنستغرام" لتحقيق ذلك الإنجاز، وأسرع من "واتساب" بثلاث سنوات.
وتشير التوقعات الصادرة عن موقع "داتا. أي آي" إلى أن "تيك توك" سيصل إلى 1.5 مليار مستخدم نشط شهريا هذا العام، بعد أن كشف تحليل له أنه تجاوز هذا الإنجاز بـ100 مليون مستخدم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2022.
وتمثل "تيك توك" مغناطيسا جاذبا للمستخدمين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما، بينما تعمل "ميتا" (فيسبوك سابقا) على وقف هجرة هذه الفئة من المستخدمين من خلال "إنستغرام".
ولم يقتصر عنصر الجذب على الشباب وإنما طال الأطفال أيضا، إذ يشير تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، إلى أن هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية "أوفكوم"، أكدت أن حوالي 16 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وأربعة أعوام يشاهدون محتوى "تيك توك"، وارتفع هذا الرقم إلى 29 في المئة في الفئة العمرية من 5 إلى 7 سنوات.
وبالانتقال إلى الوقت الذي يقضيه المستخدمون على مواقع التواصل، فقد أمضى مستخدم "تيك توك" "النموذجي" في العام الماضي قرابة 19.6 ساعة شهريا على التطبيق كمعدل وسطي، أي ذات الزمن الخاص بـ"فيسبوك"، وهو ما يسجل لصالح التطبيق الصيني الذي سجل زيادة بمقدار خمسة أضعاف تقريبا في أربع سنوات فقط، ارتفاعا من 4.2 ساعة في عام 2018.
ورغم أن مارك زوكربيرغ لا يزال يهيمن على مضمار مواقع التواصل، إذ لدى "فيسبوك" 2.9 مليار مستخدم نشط شهريا، و2 مليار بالنسبة لـ"إنستغرام"، إلا أن الخوف على الحصتين المتوقعتين للموقعين من الإعلانات في 2024 وهي وفقا لموقع "إنسايدر إنتليجنس" 85 و82 مليار دولار على التوالي، جعل "العملاق الأزرق" يوظف شركة تتولى مهمة استراتيجية حساسة تتمثل بالعمل على تغيير قناعات المستخدمين والمستثمرين بشأن مستقبل "تيك توك"، وتصويرها على أنها ليست موثوقة وخصوصا أنها مملوكة من أجانب "صينيين بالتحديد".
وتقوم خطة "ميتا" على استغلال الشكوك التي تم الترويج لها في ظل إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب بأن الشركات الصينية، من شركة الاتصالات العملاقة "هواوي" إلى "بايت دانس" الشركة الأم لـ"تيك توك"، تشكل تهديدا للأمن القومي كقنوات محتملة لتصدير البيانات الشخصية إلى بكين.
وتلاشت خطة ترامب التي كانت قائمة على الضغط على "تيك توك" لدفعها لبيع منصتها لشركة أميركية، في أعقاب خسارته للانتخابات أمام جو بايدن.
ورغم فشل مخطط ترامب، إلا أن "سياسة التشكيك" التي تبناها نجحت إلى حد ما في زرع "وساوس" بأذهان المستخدمين، إذ قالت "ذا غارديان" إن استبيانا للرأي أظهر اعتقاد ثلث المشاركين من مستخدمي "تيك توك" بأن بياناتهم عرضة لأن تسلّم للصين.
وإلى جانب الاستفادة من مبدأ التخويف من المارد الصيني، فقد تبنى زوكربيرغ سياسة قائمة على دعم وتنويع نموذج أعماله القائم على الإعلانات، إذ تستكشف "ميتا" ميدان العملات الافتراضية التي تتيح للمستخدمين إتمام عمليات الشراء باستعمالها، بذات الأسلوب الذي وظفته "تيك توك" بنجاح من قبل.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، توّج "تيك توك" بصفته التطبيق الأكثر ربحا في العالم لعمليات الشراء داخل التطبيق، حيث أنفق مستخدموه 840 مليون دولار في الربع الأول من هذه السنة على عملتها الافتراضية، والتي يمكن استخدامها كـ"إكرامية" لمنشئي المحتوى والترويج لمقاطع الفيديو، بزيادة قدرها 40 في المئة على أساس سنوي.
وتواصل "ميتا" أيضا العمل بجد على منتج الفيديو القصير "Reels" الذي تم إطلاقه على "إنستغرام" في 2020 و"فيسبوك" العام الماضي، دون أن يكون لذلك حتى الآن أي تأثير واضح على تفوق "تيك توك" بهذا المضمار.
نجاح "تيك توك" لم يأت من فراغ وإنما جاء عبر تبني استراتيجيات أوصلتها لمكانتها الحالية وفي طليعتها سهولة الاستخدام، هذا إلى جانب إقحام عنصر الترفيه الذي يحظى باهتمام الشباب.
واعتمد "تيك توك" أيضا على خوارزميات قوية ترشّح للمستخدمين المحتوى الذي يفضلونه بناء على تحليل المحتوى المُشاهد من حيث موضوع المقطع أو موسيقاه أو الألوان الظاهرة في الفيديو.
ولعل قصر مدة فيديوهات "تيك توك"، وتصرف الناشرين على طبيعتهم بخلاف مواقع تواصل أخرى، كانا المحرك الذي دفع المنصة للأمام في عصر السرعة وتعدد المهام اليومية التي تستنزف وقتنا.
وتظل كلمة السر التي قادت التطبيق لهذه المنزلة المتقدمة، تسويق المنصة على أنها إبداعية بعيدة عن الرقابة، خلافا لباقي المنصات، لتستقطب بذلك الشباب الذين يتغنون بمثل هذه الكلمات وينجذبون إليها، وتقدم لهم تحديثات وأدوات لا تتوفر عند المنافسين للتعامل مع الصور والفيديو.