يقول مسؤولو الحزب إنها "حرب تموز" سياسية، في استعادة للحرب مع إسرائيل في صيف 2006. يقولون إن خصومهم عملاء يقبضون ملايين الدولارات من السفارات.

يحثون جمهورهم على عدم التخاذل ويحذرونهم من قلة الوفاء. يشعرون ناخبيهم بأن هناك من يتربص بهم ويحيك مؤامرة كونية عليهم من خلال صناديق الاقتراع.

كل هذا التجييش يحكمه تناقض في الخطابات والمواقف، ففي حين يرفع الأمين العام لـحزب الله" حسن نصر الله" سقف الاستنفار ويقرع طبول المعركة لإدارة العمليات الانتخابية، وفي حين يصفها رئيس تكتل الحزب النيابي محمد رعد بأنها "صعبة للغاية"، يصر نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على التأكيد، ومنذ فترة، أن الفوز مضمون والأكثرية لصالح حزبه في الجيب، يستخف بأي منافس أو أي تكتل من أحزاب تواجه فريقه السياسي، ويؤكد باستعلاء أن لا شيء سيتغير في المنظومة اللبنانية. ولا لزوم حتى لإجراء هذه الانتخابات لأنها ستعيد التركيبة ذاتها إلى المجلس النيابي.  

وهذا التناقض يدفع إلى سؤال عن سبب توتر من يحوز على مقومات الفوز إلى هذا الحد؟

لماذا يستنفر الحزب فائض طاقته ومعركته الداخلية شبه مضمونة لصالحه؟

وقبل الخوض في المسألة هذه، لا بد من الإشارة إلى أن الحزب مسيطر تماما على مناطقه، بحيث يصعب اختراقها وتسجيل فوز ضده. وإلى ذلك هو يتباهى بأنه يقود معركة دعم حلفائه ورفدهم بالأصوات اللازمة ليفوزوا ويمنحوه الأغلبية التي يحتاجها في مجلس النواب.

لعل المسألة في حسابات الحزب لا تقتصر على إعطاء سلاحه الخارج عن الدولة شرعية ما. قلما يهتم بهذا. وهو كذلك لا يتوقف عند مؤسسات دستورية ورسمية ليُحكِم أكثر فأكثر سيطرته على لبنان، بفائض القوة السياسية، إضافة إلى فائض القوة العسكرية.

ربما يخاف بصفته الفريق الأقوى على شعرة من قوته إذا سقطت، كأن قوته كلها ستهتز وتسقط وتطيح بكل وجوده. ولهذا يحشد للاستحقاق، ويستعرض فعالية ماكينته الانتخابية، ومهاراتها، وجهوزيتها، وكفاءاتها.

ربما يسعى من خلال هذا الاستنفار إلى تخويف الخصوم وإحباطهم. لا ينزل خطباؤه عن منابرهم، لا تتوقف الجيوش الإلكترونية عن شن حروبها الافتراضية على كل من تسوِّل له نفسه مواجهته بالكلمة والموقف. يطلق قنابله الصوتية ليصم آذان من يريد الاستماع إلى خطاب مغاير.

لا يتوانى عن إظهار رفضه لأي صوت متمرد متفلت من سيطرته. وتحديدا إذا كان هذا الصوت من بيئته. الويل والثبور وعظائم الأمور لكل صوت من هذا النوع.

أما الأصوات النافرة وفق تقويمه من خارج البيئة فلها عدة المواجهة.

لا يمكن تفسير هذا التحشيد وهذا التجييش في ظل انكفاء عربي عن لبنان، واندفاعة إيرانية مرتاحة على وضعها وإمساكها بالورقة اللبنانية، وفي ظل بوادر الانتهاء من المفاوضات في فيينا بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة المعلنة رغبتها الصادقة والكبيرة في التوقيع وإعادة وصل ما انقطع في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.

لا يستكين إلى تشرذم خصومه وانفراط عقود تحالفهم، في حين يسعى هؤلاء الخصوم الذين تمكن من إضعافهم وتشتيتهم، إلى جهود جبارة لتحصيل ما يفوق الثلث بقليل ليتمكنوا من نقض ما يخطط له، لا سيما بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وتعليقه العمل السياسي، ما ترك له مساحة واسعة في الساحة السنية.

المسألة أن حسابات الحزب في مكان آخر. هو يثمن اللحظة السياسية الراهنة إقليميا ودوليا، ويقدرها خير تقدير، ويعمل على استثمارها بكل طاقته لوضع اليد نهائيا على السلطة في لبنان والإطاحة بصيغة اتفاق الطائف الحالية.

لذا لا يرضى هو وحلفاؤه إلا بأكثر من ثلثي النواب ليتمكن من استخدام القانون في فرض صيغة جديدة للبنان، تناسب تفوقه العسكري وتكرس تفوقه السياسي.

لعله يحسبها بشكل صحيح وفق متطلباته للمرحلة المقبلة. هو يدرك جيدا أن المجتمع الدولي يعوِّل على هذه الانتخابات ليتعامل مع الفائزين انطلاقا من كونهم الممثلين الشرعيين للشعب اللبناني، وتحديدا بعد الانتفاضة الشعبية الرافضة لمنظومة الحكم بكل من فيها قبل عامين.

وهو يريد لهذه المجتمع الدولي أن يعترف به ويرفع عنه عقوباته ويشرعن سلطته وإمساكه بالقرار اللبناني.

تلك هي معركته. يريد استمالة هذا المجتمع إلى صفه، إضافة إلى تمركزه في المحور الإيراني وحلفائه، ليجمع المجد من أطرافه.. أما مجد لبنان بصيغته التي لطالما صمدت وجذبت إليه معجبين ومحبين ومتعاطفين.. فيبدو أنها صارت من الذكريات..