معاودة الإفراج عن أرصدة مجمدة لإيران تعني معاودة إطلاق يدها في العبث المناطقي في الجوار إذا ما قسنا نتائج 2015 بما حدث مؤخراً، ولعلنا نتأسى باليابان عندما أجبرت تجارب صواريخ جارتها كوريا الشمالية على انتزاع الحق بإعادة النظر في تسلحها الذاتي من قبل الغرب – وهي الدولة الصناعية ذات الإرث الحربي الغابر، أو تسليحها عوضاً عن ذلك إن استطاعت الترسانة الغربية المخصصة للتصدير تغطية احتياجات بلاد الشمس المشرقة.

على غرار ذلك، أصبح فرضاً – وبعد توقيع إيران لاتفاق شراكة الربع قرن مع الصين – أن يطبق الغرب وخاصة الولايات المتحدة مقياس وكلاء الصين الذي يوصف به قادة كوريا الشمالية على قادة طهران، والصبر إلى حين التأكد من قابلية الاعتماد المستدام على مبادرة القوات المسلحة الأمريكية لتعزيز دفاعات الإمارات الجوية، كدليل ميداني يثبت حسن النوايا تجاه عقلاء المنطقة.

أما في حال توقف هذا الدعم الدفاعي أو المساومة عليه، فعندها تختصر المسافة وتحرق المراحل ويتم الاتفاق مع الصين على وساطة لعقلنة النظام في إيران، مقابل اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية قد تشكل بداية تحالف هجين – مع الشرق من ناحية القرب الجغرافي وتركز النفوذ واحترام السيادة واستمرارية التحالفات المبرمة ونجاعة السيطرة على الأنظمة المتمردة المرتمية في حضنه، ومع الغرب في ذات الوقت الذي لا يريد فقدان كامل ثقة حلفائه التاريخيين لنزوة حزبية في البيت الأبيض والكونغرس، في ظروف دولية أثبتت صحة التشكيك في فائدة النموذج الغربي ما بعد الحداثة، وما بعد تغول الليبرالية الجديدة.

على صعيد إبطال جدوى الأموال المفرج عنها لصالح طهران، فلنا عبرة في القضية التي تنظر فيها حالياً محكمة العدل الدولية، والتي تطالب فيها الكونغو بـ 11 مليار دولار من أوغندا نظير تسببها في نشوب صراعات بمنطقة إيتوري الغنية بالموارد، راح ضحيتها قتلى ونمو اقتصادي تعطل. بذات النموذج، تصبح إيران مطالبة بتعويض اليمن عن تخريب وكلائها له، وإن أمكن، مطالبة إسرائيل بالتعويضات مقابل تسليح حماس وحزب الله كوكلاء قاموا بقصفها من الداخل ومن وراء الحدود في آن واحد. من شأن ذلك أن يفتح الباب لاحتمال تجميد أرصدة أخرى، ينشغل بها النظام الإيراني عن الإمعان في السعي للسقوط بذاته ودواره في الهاوية بعد أن شبع من ممارسة السياسة على حافتها، لاعتبارات ليس أدناها تأجيل الانفجار الداخلي.

تستعد نائبة بايدن كامالا هاريس لحضور مؤتمر ميونخ الأمني، بينما يلوح فشل محاولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في قمة فيجي إقناع دول أوقيانوسيا الجزرية الـ18 المتاخمة لأستراليا بعدم الارتماء في حضن الصين، من أجل تدعيم تحالف AUKUS، الذي يبدو في ظاهره بديلاً ثلاثياً لتحالف الأعين الخمس الاستخباري، بعد استبعاد نيوزيلندا وكندا لخلاف على موقف لكل منهما تم تفسيره كإذعان لرغبة الصين التجارية والقانونية. المشكلة أن الدول الجزرية لها تحفظات على التجارب النووية القديمة التي أثرت على سكانها ومعائشهم في حقبة التجارب الباسيفيكية منتصف القرن الماضي، مقابل انعدام الإرث الاستعماري للصين في نفس المنطقة، ودعمها لأنظمة الحكم بالمعدات والخبرات، ومؤخراً بلقاحات فيروس كورونا، وبمحاكاة الإسقاطات الإقليمية على تلك النتائج نبني حراكنا الدبلوماسي ومواقفنا السياسية، قبل أن يستجد أمر غير محمود في الجبهة الأوكرانية، وتتعقد المساعي أو تستحيل.