قتل بايدن زعيم داعش الجديد الملقب بالقرشي، وهذا الأخير صاحب السيرة الوظيفية الأقصر والأقل تأثيراً من قتلى الإرهاب الإسلاموي الماضين (بن لادن والبغدادي وسليماني).
الفارق هو في صبر الديمقراطيين في واشنطن على المهدوية السياسية المتدثرة بالتشيع، مقابل حسمها السريع لمصير المهدوية المتدثرة بالهوية السنية للتأسلم، وللتسمي بمحمد بن عبد الله القرشي أو الهاشمي تاريخ طويل في دجل الزعامة الغيبية الساعية للحكم والسيطرة والتمدد.
هذا النمط الأميركي المتواصل ذو الخصوصية الشرق أوسطية يجعل المتابع للأحداث يتوقع مبادرة كل رئيس أميركي يتولى سدة الرئاسة لتصفية رمز ميداني يطل برأسه لتزعم محاولات الحراك المتطرف لابس رداء الدين لإعادة القرون الوسطى الأوروبية إلى خارطة البلاد الإسلامية. لكن المهدوية لدى جمهور المسلمين من كافة المذاهب – وجلهم عقلاء – لا تنطوي على (تعمد) ملء الأرض جوراً وظلماً ليظهر من يعيد القسط إليها ويملؤها عدلاً وإحساناً.
يبقى في الساحة نظام الحكم في إيران، ووكلاؤه في عدة بقاع، ليفتعلوا الكوارث بهدف جلب العهد الذهبي، الذي يشابه معتقد مسيحي مرتبط بعودة المسيح لبدء عهد مشابه، وأحزاب حاكمة غربية كثيرة هي أحزاب ديمقراطية مسيحية يسهل تبيان دولنا لجريمة استغلالها لهذا المعتقد الفئوي في استدامة الصراعات والتردد السياسي في التعاطي مع مفتعلي الأزمات وتجارها، ومواجهتهم بالفارق بين معتقدهم من أن المآسي تحدث جزافاً في ثقافتهم قبيل عودة المسيح المرجوة عقائدياً دون أن يتم افتعالها، بخلاف مهدوية الساسة في طهران، التي راحت شعوب كاملة ضحيتها، أولها الشعب الإيراني، تمارس التدخل المفتعل غيبياً للمكاسب الجيوسياسية الواقعية.
هذه بديهيات لكنها خطاب مواجهة بين دولنا أمام غرب يدعي ساسته نصرة التقدمية والحداثة وقبول التحولات – حتى الشاذ منها وغير المألوف، وقبول عناصر ثقافية مفروضة، مقابل السكوت المزمن عن ميثولوجيا سياسية دنست الرواية الدينية وزهدت أكثر أتباعها فيها.
بايدن وأسلافه الذين على سلكه عودونا على نجاعة أفعالهم في منطقتنا فحسب، نسبياً سلباً علينا وإيجاباً لإداراتهم، ومرض صناعة الإرث الجالب للإطراء البطولي عقدة لدى الكاوبوي تشبه عقد فرسان المعارك القديمة وانتقلت لوثتها بصورة أعقد لسادة المكتب البيضاوي المشرفين على أقوى ترسانة في التاريخ. ضحية هذا الهوس بالإرث تتركهم أبطالاً في ساحات الدول الأقل قدرة على مواجهتهم سياسياً واقتصادياً – إذ تنتفي المواجهة العسكرية مع أميركا من قبل أيٍّ كان. لكن بين الدول العربية الكبرى مصر، وأقطاب الخليج – السعودية والإمارات – وهي ليست من تلك الفئة، وبالتأكيد لا تعدم الحيلة في جعل الموقف يرجح لصالحها.
عشية افتتاح أولمبياد بكين، تم إعلان الشراكة غير المحدودة بين الصين وروسيا بمقدمة استثمارات تبلغ 117.5 مليار دولار، تزامناً مع الحضور الإماراتي السعودي المصري لافتتاح الأولمبياد، وذلك يؤكد بأن الثنائية القطبية عادت برأسين في الشرق مقابل رأسين في الغرب هما أميركا وأوروبا الناتو، والأمر يحتم على (ثلاثي الاستقرار والريادة العربي) أن يصنع التوازن – لمصلحته ومصالح الطرفين، وأن يتجنب استخدام الطرف الشرقي لوكلائه المحتملين المتاخمين لنا في تصفية حساباته مع الطرف الغربي، وبدون ميثولوجيا مسيسة هذه المرة.
السؤال، هل تنفع سياسة أميركا في التفعيل الأول لمنظومة ثاد للدفاع عن المنطقة في رأب الصدع؟ يبدو أن مساعي الجيش الأميركي أصدق دبلوماسيا من نوايا ساسة واشنطن الحاليين.