عام على انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، حاول خلاله أن يثبت للعالم أن عهده ليس امتدادا لعهد باراك أوباما، وبأنه رجل الدبلوماسية الطوعية أو القسرية.
إلا أن مسار الأحداث أثبت أن خيارات جو بايدن الجيوسياسية تتطابق إلى حد كبير مع سياسات أوباما، تحديداً في مقاربته للملف النووي الإيراني وارتدادات هذه المقاربة في مناطق نفوذ إيران.
إدارة أوباما قدمت العديد من التنازلات، على حد وصف الرئيس السابق دونالد ترامب، خلال مفاوضاتها مع طهران في سبيل التوصل لاتفاق عام 2015 الذي وصف بالهزيل لما تضمنه من ثغرات.
جاء ترامب، وقرّر إعادة عقارب الساعة الى الوراء من خلال انسحابه من الاتفاق. زرع الطريق ألغاما أمام خلفه بمجموعة عقوبات قاسية أجمع معظم المراقبين بأنها ستجعل فرضية عودة الاتفاق القديم من سابع المستحيلات.
لكنها كذلك شكلت ورقة ضغط قوية تمكّن الولايات المتحدة من فرض شروطها في أية مفاوضات مرتقبة. لم تصبر إيران عبثاً لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكان الرهان الإيراني في مكانه.
أخطاء متتالية تتهم الإدارة الأميركية بارتكابها بين التراخي وعدم وضوح الرؤية في التعاطي مع هذا الملف تحت عنوان الدبلوماسية.
لا شك بتاتاً أن الدبلوماسية أقصر الطرق وأقلها كلفة لإنهاء أي صراع أو نزاع. إنما القاعدة الأساسية لكل مفاوضات تكمن في امتلاك أوراق ضغط قبل مواجهة الخصم على طاولة الحوار.
مثلاً ضغوط عسكرية مثل المناورات وحشد الجيوش أو محاولة إحراز تقدم ميداني في حالة الحروب، أو ضغوط اقتصادية كما هو الحال مع العقوبات أو المقاطعة، أو إنسانية تتمثل بتحريك ملفات حقوق الإنسان أو ورقة اللاجئين.
ومن يملك أوراقا أكثر يستحصل على تنازلات أكثر من خصمه ويحصن مكتسباته الميدانية من جهة ويرفع سقف شروطه السياسية من جهة أخرى.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على سبيل المثال، أثبت أنه يجيد هذه اللعبة بإتقان في التطورات الأخيرة مع أوكرانيا. وضع كل أوراقه على الطاولة من بداية من فتح بوابة اللاجئين في بيلاروسيا، إلى حشد عشرات الآلاف على الحدود الأوكرانية، قام بتحريك الانفصاليين، شرّع أبواب التعاون مع الصين ليقطع الطريق أمام أي عقوبات من خصومه وبيده ورقة اقتصادية قد تؤلم الأوروبيين بشدة وهي قطع إمدادات الغاز عنهم في فصل الشتاء القارس.
والنتيجة، خصومه في حالة انقسام وتخبط حول كيفية التعاطي مع هذا الملف وهو امتحان صعب سيكشف متانة وصلابة الناتو والاتحاد الأوروبي أمام تنامي نفوذ الدب الروسي.
الوضع مشابه الى حد كبير اليوم وضع الأميركيين في مواجهة إيران على طاولة مفاوضات فيينا. ونسأل هنا…ما هي أوراق الضغط التي ذهبت بها إدارة بايدن الى فيينا؟ هل بعقوبات ترامب التي تراخت في تطبيقها؟ هل بأوراق حسن النية التي أهدتها لطهران عبر غض الطرف عن تهريب النفط الى الصين أو التخاذل عن الرد على الاستفزازات الايرانية المتمثلة بضرب المصالح الأميركية في العراق وتهديد الملاحة البحرية ورفع الحوثيين عن قوائم الإرهاب والسكوت عن استهدافاتهم لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط من المملكة العربية السعودية إلى الإمارات واستباحة إيران للدول التي أحكمت قبضتها عليها مثل لبنان.
الثابت أن أوراق الضغط التي تملكها طهران أقوى وهي تعرف جيداً ماذا تريد وكيف تحرك أحجار الشطرنج إذا ضاق الخناق عليها عسكرياً أو اقتصادياً. فماذا لو لم تتحقق أمنية بايدن كما تحققت أمنية سلفه أوباما بالتوصل إلى اتفاق؟ هل سيتمكن حينها من إعادة عقارب الساعة الى الوراء؟ خطأ أم خطيئة.. لا يهم فالنتيجة واحدة والخيارات الأميركية بالتأكيد باتت محدودة.