هو أبو ليلى أوعدي بن ربيعة التغلبي أو هو المهلهل سالم الزير .. لا يهم المهم أنه كان من شعراء العرب وفرسانهم كان عدي شاعرا فصيح اللسان حاضر الذهن ،سريع البديهة ، وكان إلى جانب ذلك ذا وجه صبوح باسم لذا لم يكن مستغربا أن يقضي سنوات شبابه " صعلوكا " بكل ما تحمله الكلمة من انطلاق وتحرر وجمال أيضا.
غير أن حادث مقتل أخيه " كُلَيب " على يد جساس بن مُرة غير مجرى حياته فأصبح لا يرى شيئا سوى الثأر لأخيه المغدور ، فكانت حرب البسوس التي طالت لنحو أربعة عقود.
لقد انتزع هذا الحادث عديا من رياض الشعر ليقذف به في ساحات القتال ، أخذه من مفردات قصائده الناعمة إلى أتون حرب مهلكة ، صحيح أنه أنشد شعرا في سنوات القتال لكنه كان شعرا مصبوغا بلون الدم ممهورا بروح الانتقام.
يروي الرواة فيما يرون عن مقتل الزير سالم أنه ارتحل مع عبدين من عبيده ، وخرجوا جميعا إلى الصحراء دون وجهة محددة ، لكن العبدين ضاقا به فقررا أن يقتلاه ، وحين علم بنيتهما لم يقاوم بل أمرهما بالإسراع في قتله
وحملهما إبلاغ بن أخيه "الهجرس" بيتا من الشعر
قال لهما احفظا ما أقوله وأبلغاه به.
وأنشد يقول :
من مبلغُ الحيينِ أن مُهلهِلا
لله درُكما ودرُ أبيكُما
وبعد أن أنهى العبدان حياته عادا إلى ديار أهله وأخبرا الهجرس بأن الزير سالم مات بلدغة عقرب
وأعادا عليه بيت الشعر
من مبلغُ الحيينِ أن مُهلهِلا
لله درُكما ودرُ أبيكُما
استغرب الهجرس ركاكة النظم فتدخلت " اليمامة" إبنة أخيه كليب وقالت عمي لا ينظم شعرا ركيكا لابد أنه يقصد :
من مبلغُ الحيينِ أن مُهلهِلا
أضحى قتيلا في الفلاة مُجَندلا
لله درُكما ودرُ أبيكُما
لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فعلم الهجرس أن العبدين قتلا الزير سالم فقتلهما
يا الله ... على هذا النحو كانت بلاغة العرب
اليمامة تجبر النقص وتزيل اللبس
رحل الزير سالم ووضعت حرب البسوس أوزارها لكنها بقيت في ذاكرة العرب يسترجعونها كلما نشب الخلاف واتسع الشقاق
لغتنا الجميلة.
في الثامن عشر من ديسمبر عام 1973 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة ومنذ هذا التاريخ أصبح الثامن عشر من ديسمبر من كل عام هو اليوم العالمي للغة العربية ، وفي هذا اليوم افتتحت في مدينة دبي أعمال قمة اللغة العربية في دورتها الأولى وألقى أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية كلمة الافتتاح فقال من بين ما قال : الجامعة العربية هي حقيقة ثقافية قبل أن تكون رابطة سياسية وهي عنوان على وحدة الشعور والوعي بين الشعوب،قبل أن تكون تجسيداً لطموحات العمل المشترك على مستوى السياسة أو الاقتصاد "
وأردف : وقد لا يعلم الكثيرون أن أول اتفاقية أُبرمت تحت مظلة جامعة الدول العربية مباشرة بعد تأسيسها هي المعاهدة الثقافية بتاريخ ٢٧ نوفمبر ١٩٤٥ ، وهي اتفاقية اهتمت بشأن اللغة العربية ، إذ تضمنت في مواضع عدة من موادها موضوعات تتعلق بالترجمة وسن التشريعات وتوحيد المصطلحات العلمية بواسطة المجامع اللغوية والارتقاء باللغة العربية وجعلها لغة الدراسة في جميع المواد وكل المراحل الدراسية "
أحسن أبو الغيط فيما قال فالشقة تتسع لحظة بعد لحظة بين العرب ولغتهم الجميلة التي باتت غريبة في ديارهم ، وعلى العرب جميعا أن يدركوا أن التضحية بلغتهم هي تضحية بتاريخهم وتضييع لحاضرهم وإهدار لمستقبلهم
كأس العرب
لا أعلم إن كان منظمو بطولة كأس العرب في قطر تعمدوا أن يكون نهائي البطولة في يوم 18 ديسمبر الذي يصادف يوم اللغة العربية أم لا ؟ لكنني وسواء كان هذا مقصودا أم لا، فقد اعتبرته فألا حسنا.،ففي هذا اليوم الذي احتفل فيه العالم بيوم اللغة العربية ،تابع ملايين العرب مباراتي المنافسة على المراكز الأربعة الأولى حتى توج المنتخب الجزائري بالكأس.
كانت أجواء البطولة نموذجية أعادت للعرب روح التنافس دون شجار ،ومن فرقتهم مربعات السياسة ودوائر الاقتصاد جمعهم المستطيل الأخضر ، فكانت المدرجات كجامعة عربية منزوعة الخلافات.
أمام جمال المشهد تراجعت أجواء حرب البسوس ، اختفى جساس بن مرة ، وتوارت روح الانتقام لدى الزير سالم فانتزعت حرف الراء من حرب الأربعين عاما لتستحيل حبا لف الجميع وشملهم برعايته.
لا أريد أن أكون مبالغا لكنني أعتقد أن ملايين العرب الذين تابعوا البطولة كانوا فرحين بأن " كأس العرب" جمعهم في مدرجات الملاعب أو أمام الشاشات
وفيما كان اللاعبون يتأهبون للمباريات في الدوحة ، كان المجتمعون في دبي يواصلون أعمال قمة اللغة العربية الأولى وكان مقر الجامعة العربية في القاهرة عاصمة العرب يزدان بشعارات اليوم العالمي للغة العربية تأكيدا على أن ما يجمع العرب أكثر بكثير مما يفرقهم.
لقد كان يوما استثنائيا أرجو أن نعيش أجوائه طوال العام وفي كل عام
