لذلك مثلت المبادرة الخليجية ركن الزاوية في التعامل مع واحدة من أعقد الأزمات التي تعصف ببلد يمتد جغرافياً على جنوب شبه جزيرة العرب، ويشرف على مضيق باب المندب بما يمثله من أهمية بالغة على الأمن القومي العربي.

الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر 2014، شكل منعطفاً في الوضع المعقد لليمن سياسيا واقتصادياً واجتماعياً، وهو ما دفع بالبلاد لخطر نزوح ملايين من اليمنيين، ولم تتوقف مليشيات الحوثي من هجومها المسلح باجتياحها كل محافظات الشمال، وحاولت غزو العاصمة الجنوبية المؤقتة عدن وهاجمتها بغارات جوية وغزو بري، تطلب مناشدة من الشرعية تدخلاً من الجارة السعودية تدخلاً بموجب معاهدات وتوافقات قانونية بين البلدين.

استجابة الرياض لطلب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، وشكلت تحالفاً عربياً لردع مليشيات الحوثي، وتم تعزيزها بقرار من مجلس الأمن الدولي 2216، وبعد أن نجحت العملية في تحييد القوة الجوية لمليشيات الحوثي أعلنت قيادة التحالف العربي عن إطلاق عملية "إعادة الأمل"، وهي عملية متزامنة مع العمليات العسكرية لمراعاة الحالة الإنسانية في اليمن.

العملية الإنسانية والتي شكلت فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الدور المحوري والأساسي، اعتمد على احتواء الحالة الإنسانية بتيسير قوافل الإغاثة وتوفير ما يمكن للنازحين في الداخل اليمني، وهي العملية المعقدة التي نجحت في المحافظة على إبقاء الشعب اليمني في بلاده وعدم نزوحه إلى بلدان المهجر، لعدم تكرار ما حصل في أزمات نزوح الشعوب الأخرى التي اهتزت كما حدث في سوريا وليبيا.

تشكلت اللجنة الرباعية الدولية من (بريطانيا والولايات المتحدة والإمارات والسعودية) وهي اللجنة التي لازمت المبعوثين الأمميين لليمن من بعد جمال بن عمر الذي قدم استقالته بعد فشله وجاء الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد ثم تبعه البريطاني مارتن غريفيث، حتى جاء السويدي هانس غرودنبيرغ، بينما كانت الرباعية الدولية محافظة على عدم تدويل الأزمة اليمنية وابقاءها في نطاقها السياسي ضمن المبادرة الخليجية مع استمرار توفير ما يمكن من إغاثة ومستلزمات تبقي الوضع الاقتصادي وتحافظ على المستوى السياسي.

التباينات اليمنية التاريخية أفضت بدورها لأزمة عاصفة في المحافظات الجنوبية بعد تحرير عدن في يوليو 2015، واستكمال كافة عمليات التحرير للجنوب، وهو ما أدى لتصادم سياسي وعسكري في داخل الشرعية اليمنية، مما استوجب تدخلاً سعودياً إماراتياً أفضى لتوقيع "اتفاق الرياض" الذي بدوره حافظ على المسار السياسي وإن لم يتم بعد استكمال تنفيذ الاتفاق، غير أنه وفر الفرصة لتحسين الظروف المعيشية للسكان في المناطق المحررة.

تعثرت الحكومة اليمنية في الجانب الاقتصادي مع إصرار مليشيات الحوثي على الدفع بمصير ملايين اليمنيين للمجهول في حرب امتدت لسنوات سبع لم يستجب فيها الحوثي لكل المبادرات، ولم يلتزم بكل هدنة قدمت له، واسقط كافة فرص الحلول السياسية، ومع التعنت الحوثي قدمت السعودية مبادرة وقف الحرب في اليمن مقابل أن ينخرط الحوثي مع كافة الأطراف بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي في تسوية سياسية شاملة، إلا أن الحوثي مازال يرفض الاستجابة، ومازالت اعتداءاته على السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة مستمرة، مع هجومه العسكري على محافظة مأرب النفطية التي يحاول اسقاطها للمساومة السياسية.

عاودت الرباعية ظهورها بعد مناشدة المجلس الانتقالي الجنوبي لمجلس الأمن الدولي بضرورة وضع حد لانهيار العملة وتردي الحالة الاقتصادية، مما استدعى تدخلاً من الرباعية الدولية لتشجيع حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال بموجب اتفاق الرياض على اتخاذ اصلاحات فاعلة بدأت بتغيير محافظ البنك المركزي والعمل على مراقبة العملية المالية وطلب تدخلاً مالياً لوضع حد للانهيار الاقتصادي في بلد يصر الحوثي على دفعه للجحيم.

حكومة المناصفة عليها مسؤولية بناء المؤسسات الاقتصادية، ومواجهة الفساد، وفتح ما يمكن من موانئ في المحافظات الجنوبية كونها مناطق محررة لتنطلق الدورة الاقتصادية لتصدير المنتجات واستيراد المستلزمات، مع إيداع الإيرادات مباشرة في فروع البنك لدفع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين خاصة وأن اللجنة الرباعية الدولية مازالت عند التزامها وتعهداتها السياسية، ومازالت نشاطات مركز الملك سلمان للإغاثة والهلال الأحمر الإماراتي مستمرة وقادرة على توفير الحد الممكن لعدم حصول الانهيار مع ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي لإجراء فاعل يجبر الحوثي على وقف هذا الجنون في بلد لم يعد يحتمل مزيداً من جنون فئة لا تعترف بالعقل والحكمة.