فبريطانيا التي تستضيف القمة، كأكبر حدث عالمي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أرادت أن تضع نفسها في مكانة "الريادة" في مكافحة التغير المناخي وبناء تحالف دولي قوي للحد من انبعاثات الكربون لمنع المزيد من الاحتباس الحراري في مناخ الأرض.

كما أن الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس الديموقراطي جو بايدن تضع مكافحة التغيرات المناخية أولوية لها في خطتها المزدوجة داخليا وخارجيا: داخليا لبناء اقتصاد جديد يعتمد على مشروعات الطاقة المستدامة (اقتصاد أخضر ذكي)، وخارجيا بناء تحالف غربي حول هدف عالمي هو حماية البيئة وفي الوقت نفسه مواجهة الصين وروسيا والقوى الصاعدة في العالم.

أما حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فأرادت تحقيق أكثر من هدف. أولا، أن تكون قمة كوب26 أقوى وأهم من قمة كوب21 التي استضافتها فرنسا عام 2015 وشهدت آخر اتفاقية دولية على خفض الانبعاثات الكربونية بأهداف محددة وملزمة. وثانيا، تعزيز "العلاقة الخاصة" بين لندن وواشنطن بقيادة الجهد العالمي لمكافحة التغير المناخي.

وثالثا، تقديم بريطانيا للعالم كرائدة في الابتكار التكنولوجي للتحول إلى عالم أخضر. هذا بالطبع بالاضافة إلى أهداف سياسية داخلية تتعلق بأصوات الناخبين البريطانيين لحزب المحافظين الذي واجهت حكومته أزمات متعددة مؤخرا من أزمة محطات البنزين وارتفاع أسعار الطاقة للبيوت إلى معارك صيد الأسماك للصيادين البريطانيين.

لكن البدايات كانت واضحة، من مستوى الحضور للمشاركة في القمة إلى التباين بين ما يحذر منه العلماء وما يمكن أن تتعهد به دول العالم. فمن بين 230 دولة مشاركة في اتفاقيات المناخ، يشارك في القمة 120 دولة ممثلة بقيادتها بينما ترسل البقية وفودا. لكن الأهم أنه حتى اللحظات الأخيرة قبل القمة، لم يتأكد حضور 11 من زعماء دول مجموعة العشرين التي تمثل الدول الغنية في العالم أي الأكثر تلويثا للبيئة حسب علماء الأمم المتحدة.

لتوضيح الأمر أكثر فإن ثلاثة من زعماء الدول الخمس الأكبر من ناحية الانبعاثات الكربونية يتغيبون عن القمة، وهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس وزراء اليابان. كذلك لن يحضر رالرئيس البرازيلي جاير بولسينارو، الذي يعد من أكثر المشككين في مسألة التغير المناخي برمتها مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ومن غير الواضح ان كان رئيس وزراء الهند ورئيس جنوب افريقيا سيحضرا شخصيا للقمة.

ومع أن تلك الدول الرئيسية سترسل وفودا، لكن التوصل لاتفاقات ملزمة بأهداف محددة لمواجهة التغيرات المناخية مرهون بوجود القادة أكثر من الوفود. لذا، فإن هدف الحد من معدلات الزيادة في درجة حرارة الأرض بألا تتجاوز 1.5 درجة مئوية، كما نصت اتفاقية باريس لعام 2015 قد يصعب الوفاء به. بل إن بعض العلماء يقولون إن العالم بمعدلات انبعاث الكربون الحالية يتجه نحو زيادة الاحتباس الحراري بما يجعل معدلات الحرارة ترتفع بأكثر من هذا المستهدف وربما بما يصل إلى 2 درجة مئوية – وهو ما يعتبره كثيرون مستوى يصعب بعده التغلب على مشكلة المناخ.

رغم ذلك، فإن القمة تعد حدثا مهما للعالم أجمع، سواء كانت نتائجها اتفاقيات بتعهدات ملزمة أم لا. فالزخم الإعلامي المصاحب لها يزيد الوعي العالمي بأهمية التنمية المستدامة للحفاظ على الكوكب الذي نعيش عليه كلنا كبشر. ويفتح ذلك الباب واسعا أمام قطاعات اقتصادية جديدة في مجال الطاقة النظيفة وتكنولوجيا التقاط الكربون من الجو وإعادة تدويره – ببساطة يدفع العالم باتجاه الاقتصاد الأخضر الذكي.

وليس من قبيل المصادفة أن بعض دول منطقتنا استبقت ذلك بنحو عقدين بالبدء في تطوير اقتصاد أخضر ذكي، خاصة في دولة الإمارات، ضمن جهودها لتنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط والغاز بدرجة كبيرة. فكان اطلاق مشروع شركة "مصدر" في أبو ظبي مطلع هذا القرن مقدمة لذلك الجهد، وحين يبدأ العالم الآن تبني هذا التوجه تكون "مصدر" بمشروعاتها الكبير للطاقة من الشمس والرياح حول العالم في المقدمة بالفعل.

وفي إطار التحول الكبير في السعودية استبقت المملكة قمة كوب26 بمبادرة "السعودية الخضراء" التي تتضمن زرع نحو نصف مليار شجرة واستثمار عشرات المليارات في الاقتصاد الأخضر. وتبعها مؤتمر الشرق الأوسط الأخضر أيضا لتعزيز مبادرات حماية البيئة في المنطقة. وفي الوقت الذي تجرف فيه بعض دول أميركا اللاتينية غابات الأمازون التي تمثل رئة مناخ العالم تزيد دول في منطقتنا مساحات الزرع الأخضر. وأهمية العالم الأخضر أن النبات يمتص ثاني أوكسيد الكربون بشكل طبيعي من الجو فيعمل كمنقي طبيعي ربما يفوق تكنولوجيا "صيد" الكربون وتخزينه وإعادة تدويره.

قد لا يحقق بوريس جونسون أهدافه الطموحة من القمة، وربما لا يصل جو بايدن إلى هدفه سياسيا. لكن بيئيا ومناخيا يزيد الوعير بأهمية العالم الأخضر، وتستفيد منطقتنا بالتحول نحو مستقبل مستدام أكثر.