الدول العشر الكبرى في إنتاج القهوة تبدأ بالبرازيل وتنتهي بأوغندا، وتنتج مع غيرها سنوياً حوالي 11 مليون طن منها.
كل هذه الدول اليوم تترقب بقلق ما يتهدد إحدى السلع المائة الكبرى عالمياً، وإحدى صادراتها الوطنية الثمينة، بعد إعلان مختبر معهد VTT الفنلندي منذ شهر واحد استزراع البنّ في مفاعله الحيوي، للتغلب على تأثّر هذه النبتة بتغيّر المناخ وأيضاً تثبيط قطع الغابات لزراعتها.
قد يكون من الصواب والإنصاف إعادة تسجيل أصناف النبتة وفصائلها كمحاصيل وطنية في قبو سفالبارد العالمي، وطلب دفع عوائد ترخيص من قبل المختبر المذكور وغيره مستقبلاً، بصورة مقنّنة لإعاشة المزارعين في أوطانهم، نظير التزامهم بعدم المساس بالغابات والمساحات الخضراء الطبيعية، إذ أن فقدان المورد المعيشي سيدفعهم إلى الابتزاز البيئي المضاد، حيث يرون الاستزراع إلغاءً لنشاطهم بحجة كبح الاحتباس الحراري وتحصين السلعة ضد التقلبات المناخية، فيعمدون إلى الإرهاب البيئي لإجبار المنتفعين الجدد ومن حالفهم على حفظ الحقوق.
وللأسف، إن ما عجّل بالزهد في القهوة المزروعة هو طمع المزارعين في صنف بنّ الأرابيكا بمزاعم نكهته الألذّ، رغم كون القهوة أداة استيقاظ إضافي قبل كونها تجربة مذاق، وبالتالي تم تقديم هذا الصنف من النبتة الذي يتطلب عناية فائقة وارتفاعات أعلى للزراعة وحماية ضد آفات أكثر وعملية ريّ أغزر، على حساب صنف بنّ الروبستا الأصغر حبة والأعلى في الكافيين – المنبّه العتيد – والممكن غرسه على ارتفاعات أقل وسقيه بصورة أكثر اقتصادية ويقاوم الآفات بصورة كبيرة.
منذ أشهر، عجّلت موجة الصقيع التي دمرت نسبة كبيرة من محاصيل البرازيل – أكبر المنتجين – بارتفاع الأسعار من البنّ الخام – أرابيكا – المصدّر في حبوبه وعبواته سريعة التحضير وأكوابه الجاهزة في المقاهي. هذا الأمر شعر به المستهلكون والتجار حول العالم، وهو منتج يومي ذو شعبية طاغية، أحس بغلائه الجميع، ومنهم العلماء المحبين للتحديات، فطبقوا على الظروف قاعدة الحاجة أم الاختراع. في هذا التسلسل المنطقي والعلمي، ليس الفنلنديون الوحيدين الذين أجروا تجارباً مخبرية وتوصّلوا إلى طريقة استزراع تغني عن المساحات وتتم وفق ظروف مغلقة قابلة للسيطرة، فقد سبقتهم شركة أتومو للقهوة في الأبحاث في العام الماضي 2020.
هذه الطفرة تسمى الزراعة الخليوية، تؤخذ فيها شرائح من النباتات الغذائية والمواشي والدواجن والأسماك ويتم تحفيز نموها الجزئي بالاستنساخ من مرحلة نمو أكثر تقدماً تسمى نمو الدورة الأعلى upcycled growth، وبسببها قد نشهد فرزاً لخواص خامات أخرى – غذائية وغيرها – لإنتاجها بصورة مضاعفة مخبرياً دون الحاجة إلى دورتها الطبيعية المطوّلة وآثارها الجانبية أو تبعاتها.
انهارت جدوى لؤلؤ الخليج في مختبر ياباني في 1929، وعلى الدول النفطية – وعلى رأسها دول الخليج – تمويل أبحاث من عوائد النفط تمنحها حق التمتع بعوائد تركيباته المطورة مستقبلاً أو بدائله الجذرية أين ومتى ما وُجدت أو تم اختراعها.