وصار للمتطرفين "أنماطا" مختلفة من مروجي الخطاب التاريخي المتطرف، فهذا كاتب وهذا باحث عثمانيات وهذا "يوتيوبر" وهكذا، بغرض التأثير في شبابنا واستدراجهم للإيمان بقراءة فاسدة كاذبة لتاريخ الحضارة الإسلامية تخدم مصالح جماعة الإخوان الإرهابية أو الأنظمة الداعمة لها..

وإن كان يوجد من هم مثلي يضطلعون بعملية تفكيك الخطاب التاريخي المتطرف، إلا أن البداية الحقيقي هي من المكان الذي يقضي أبناءنا فيه أغلب يومهم ويؤثر بشكل كبير في وعيهم وإدراكهم: المدرسة، ولأكن أكثر دقة فإنني اتحدث عن مادة التاريخ المدرسي التي يتلقاها الطلاب في مراحل تعليمهم المختلفة.. لماذا لا يكون لها دورًا في تحصين الشاب من التأثر بالخطاب التاريخي المتطرف؟

إن الحكمة تقول إن "المعرفة قوة" والقاعدة الأولى في الحرب هي "اعرف عدوك"، فلماذا لا تتضمن مادة التاريخ فصولًا مخصصة لشرح تاريخ الحركات المتطرفة والفكر التكفيري في التاريخ الإسلامي كالخوارج والقرامطة والحشاشين، بل وفي التاريخ المعاصر كالقاعدة والإخوان وغيرهم؟

إن مثل تلك الفصول لهي تعريف مسبق للشاب قبل أن يدخل معترك الحياة بعدوه الذي لا يأتيه مكشرًا عن أنيابه مظهرًا وجهه القبيح بل بالعكس يستدرجه بالكلام المعسول والابتسامات الودودة والحديث بقال الله وقال الرسول.. فحريّ بنا هنا أن نؤهله لكشف أساليبهم وفهم أغراضهم

من شأن هذا أيضًا أن يكسبه مهارة مناظرة ومحاورة هؤلاء القوم وإفحامهم حال مصادفته بعضهم فيما يرتاد من أماكن أو حتى على مواقع التواصل الاجتماعي ودخوله في نقاش حول أفكارهم وأساليبهم.

إضافة لاقتراحي هذا فإنني أرى ضرورة أن تتضمن فصول وأبواب التاريخ الإسلامي من مادة التاريخ المدرسي تناولًا تحليليًا دقيقًا للمواقف التاريخية ذات الصلة بالخطاب التاريخي المتطرف، كالمواقف التي يقوم المتطرفون بتشويه دلالاتها وتفسيراتها وتطويعها لصالح أغراضهم أو تلك التي يجملونها ويزيفون تفاصيلها لنفس الغرض..

كما ينبغي أن تتضمن المادة موضوعات للرد التاريخي على النماذج التاريخية الفاسدة التي يروج لها المتطرفون باعتبار أنها هي "نموذج الحضارة الإسلامية" وهذا من خلال عرض النماذج الإيجابية الحقيقية كيلا يقع الشاب في فخ المتطرفين بأن يقتنع بطرحهم الحصري لمفهوم الحضارة عند المسلمين.

وبالمناسبة، أنا هنا لا أدعو لمنهج "تاريخ موجَه" ولكنني أتحدث عن "تدريب" الطالب نفسه على القيام بعملية تفكيك للخطاب التاريخي المتطرف من حداثة سنه!

اعتقد أن هذا الأمر لم يعد من قبيل الرفاهية ولا المستوى الأعلى ولكنه صار ضرورة وطنية وأمنية لهؤلاء الذين يصيد المتطرفون منهم فرائسهم تجنيدًا وتطويعًا وغسيلًا للعقول!

وللحديث بقية

-يتبع-