ولعل القضية الفلسطينية هي أشهر ما يتاجر به الإخوان، لهذا لم يكن من الغريب أن يستغلوا الأزمة الأخيرة لحساب دعاياتهم المثيرة للشفقة.

فالمطالع لكتابات بعض الهاربين من شباب الإخوان واللائذين بكنف النظام الأردوغاني، وتعليقاتهم على موقف مصر من الأزمة، يدرك بسهولة أنهم يمثلون بدقة وصف "إذا خاصم فَجَر"... بين هجوم شرس منهم على الدولة المصرية واتهامات مشينة لإدارتها، وفي المقابل تهليل وتطبيل للمخدومهم النظام التركي وإظهاره مظهر المناضل لأجل القضية.

والحقيقة أن خير ما قرأت من تشبيهات للسياسات التركية في مواجهة القضية الفلسطينية هو أن "أردوغان يشبه صاحبك الذي إذا حضر معك مشاجرة راح يطلق السباب ليدعي الشجاعة ثم اختفى تمامًا وتركك في قلب المعركة"

فقد قامت مصر فور اندلاع الأزمة بإصدار بيان رسمي شديد اللهجة يدين الممارسات الإسرائيلية بحق الأشقاء الفلسطينيين في القدس الشريف، ويطالب الجانب الإسرائيلي بالتوقف فورًا عن تلك الممارسات التي تنتهك حرمتا شهر رمضان المبارك والمسجد الأقصى، وفور تعرض قطاع غزة للهجمات الوحشية طالبت مصر الحكومة الإسرائيلية بإيقاف الضربات فورًا دون شروط، وسارع بفتح معبر رفح لاستقبال المصابين ولإدخال سيارات الإسعاف والإغاثة للأشقاء في القطاع.

والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لبحث الأزمة والتدخل بالوساطة. وأخيرًا أثمرت جهود مصر عن وقف لإطلاق النار من الجانبين.

والحقيقة أن التعامل المصري مع الأزمة قد حظي بإشادة الجميع، حتى أن بعض المعارضين للنظام الحاكم قد اعترفوا بحسن إدارة مصر للأزمة بل وأقروا باحترامهم موقف الدولة منها.

ولكن ماذا فعل في المقابل شباب الإخوان سالفو الذكر؟

على الصفحة الشخصية لأحدهم والذي يقدم نفسه كباحث في العثمانيات-وهو شاب إخواني يعيش بتركيا ويرتزق من خدمة العثمانيين الجدد بكتاباته-راحت تتوالى المنشورات التي تصوّر ألا أحد تضامن مع الأشقاء الفلسطينيين كما فعل الأتراك.

فها هو منشور يحتفي بإصدار عدد من الجامعات التركية بيانًا يندد بالممارسات الإسرائيلية ويطالب بوقفها، وثانٍ يُبرز قيام مدينة بورصة بإنارة برج ساعتها بألوان العلم الفلسطيني وثالث منقول من "الجزيرة-تركيا" عن مسيرة بالسيارات للتضامن مع الفلسطينيين وآخر عن سماح السلطات التركية بالتظاهر أمام قنصلية إسرائيل بإسطنبول.

وماذا عن الموقف المصري الإيجابي؟ ماذا عن قوافل الإغاثة وعربات الإسعاف والتدخل الدبلوماسي والبيان شديد اللهجة والوساطة المصرية؟ هل تفضل هذا الشاب صاحب النشاط في الكتابة والإشادة بالعثمانيين القدامى والجدد بأن يتناول ما كان من الدولة التي-للأسف-يحمل جنسيتها في أوراقه الرسمية؟

لا شيء. أو كما يقال "صفير صرصور الحقل"! 

وليت الأمر اقتصر على ذلك، فبمطالعة كتابات ومنشورات شاب آخر-هو الإخواني الهارب محمد إلهامي والذي يقدم نفسه كـ"مؤرخ"-نجده يقول أن النظام المصري "وظيفته" هي محاصرة غزة قبل الحرب ثم تمثيل "الصهاينة" في المفاوضات وأخيرًا فإنه يضيع "ثمار" الحرب.

ويقول في منشور غيره أن فصائل غزة لو كانت لها إمكانيات مصر لما فكرت إثيوبيا في إنشاء سد يقطع نهر النيل، ويقول عن مصر أنها تحت حكم خونة وقتلة وسفاحين وينهي منشوره بوسم "السيسي عدو الله".

وفي منشور آخر يتهم القيادة المصرية بأنها وجيشها وأجهزة أمنها "تحارب الأمة وتقهرها" ثم يختم المنشور بتساؤل يبدو فيه التحريض واضحًا "ما الواجب علينا تجاههم؟"

هذا الشخص الذي يصف نفسه بالمؤرخ ويتولى منصبًا بجهة مشبوهة هي "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية" والذي أنشئ برعاية النظام التركي ويضم بعض من هم على شاكلته، لم يرى في جهود مصر لرفع العدوان عن أشقائنا الفلسطينيين ولا في محاولة وقف نزيف الدم ولا في تقديم المساعدات أي شيء يستحق أن يُذكَر، وقرر فقط أن يستغل المأساة التي يعانيها الإنسان الفلسطيني ليصفي هو حساباته مع الدولة في وقت تمر فيه البلاد والمنطقة كلها بالكثير من التحديات الخطيرة. منتهى الانحطاط والفُجر في الخصومة والمسارعة بدناءة منقطعة النظير للمتاجرة بالأزمة!

أمثال هؤلاء رأوا في إضاءة مبنى في مدينة تركية بألوان علم فلسطين وفي مظاهرة سيارات وفي بيان لبعض الجامعات ما يستحق الثناء والإشادة، ولم يروا في جهود دبلوماسية كبيرة ودعم معنوي ومادي ونشاط سياسي ملحوظ ما يستحق حتى أن يذكروه... أي أنهم قد جاملوا نظامًا معاديًا لبلدهم الأم بينما سعوا للتشنيع بهذا البلد الذي يؤسفه أن يحملوا جنسيته في بعض أوراقهم!

ولكن لِمَ الدهشة؟ ليس هذا بالجديد عليهم، فتشويههم الواقع هو لعبة قديمة، وهو ما يعيدنا للحديث عن عبثهم بالتاريخ من خلال المعهد المشبوه سالف الذكر الذي يمارسون من خلاله العمالة للنظام الأردوغاني.

فللحديث بقية

-يتبع-