في العام 2018 رفع أردوغان هذا الشعار في تجمع لأنصاره، ومؤخرًا راح يرغي ويزبد اعتراضًا على قيام فرنسا بحظر هذا التنظيم الإرهابي وكأنما هذا الحظر موجه له شخصيا.

فما الذي جمع العثمانيون الجدد، أردوغان وتياره، مع منظمة الذئاب الرمادية؟

الإجابة: التعصب القومي للنوع التركي.

بلى.. فإن العامل المشترك بين العثمانيون القدامى والجدد من ناحية، والقوميون الأتراك من ناحية أخرى هو ذلك التعصب الغريب لعرقهم.

فالمتأمل في سياسات وأنظمة الدولة العثمانية البائدة يدرك بسهولة أنها لم تأخذ من الإسلام وثقافته سوى ما يفيد السلطة الحاكمة من تحصين ديني لشخص السلطان، ودعاية دينية للحملات الحربية أو فتاوى دعائية ضد هذا أو ذاك ممن تقوم خصومة أو عداوة بينه والعثمانيين، فضلا عن توظيف آيات الجهاد وشعاراته للتعبئة المعنوية للجيوش وإضفاء بُعد جهادي للحروب التوسعية العثمانية.

أما حقيقة روح الإسلام كدين رسالته الأساسية هي خلق تعايش إنساني مشترك، فلم تكن من سياسات العثمانيين الذين لم يؤمنوا بتعايش إلا لو كان خضوعا لهم. بمعنى أكثر اختصارًا: الصبغة الإسلامية للدولة العثمانية لم تكن سوى وسيلة من وسائل آل عثمان لتحقيق فكرتهم عن تفوق جنس الترك وإخضاعهم الجميع.

ولأن لكل فعل رد فعل فقد كان من الطبيعي أن يشهد القرن الأخير من عمر الدولة العثمانية انتفاضة إثنيات وعرقيات مختلفة على هذا التعالي العرقي، كاليونان والعرب والأرمن والأكراد وغيرهم.. وفشلت المحاولات البائسة لمواجهة تلك الانتفاضة القوية- التي تحولت مع الوقت إلى ثورات- سواء محاولات عبد الحميد الثاني توظيف فكرة الجامعة الإسلامية والخلافة لإيقاف الطوفان الجارف أو محاولة القوميون لاستخدام نزعة "الطورانية" والدعوة لتجميع أبناء العرق التركي في كتلة واحدة وفرض "التتريك" بالقوة.

كانت الدولة العثمانية إذن تتلاعب بفكرة "الدولة الإسلامية" لتخدم في الحقيقة فكرة "التفوق التركي". فليس من الغريب أن يتبنى العثمانيون الجدد نفس المنهج.

يوجد مثل شعبي مصري يقول "ما تغلب به العب به"، هذا هو ما يربط العثمانيون الجدد بمنظمة الذئاب الرمادية. فمنظمة الذئاب الرمادية لها تاريخ في إقحام نفسها في أية صراعات بها طرف تركي الجنس ضد طرف آخر، في قبرص حاربوا إلى جانب الجانب التركي، في الصين أعلنوا مساندة الأويغور ذوي الأصول التركية، في ليبيا دعموا التدخل التركي بذريعة وجود ليبيين من أصول تركية، في حرب الشيشان دعموا الطرف الشيشاني زعمًا لارتباطه عرقيًا بهم، في سوريا ظهرت دلائل على تنسيقهم مع تركمان سوريين، وكذلك في شبه جزيرة القرم.. (هذا فضلًا عن أنشطتهم الإرهابية في أوروبا والتي كان من أحدثها مهاجمة مسيرة للأرمن في فرنسا وكتابتهم عبارات عدائية على نصب تذكاري أرميني)

وهي نفس سياسة العثمانيون الجدد الذين يدعمون تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر ويتدخلون عسكريًا لدعم تنظيمات إرهابية مماثلة في سوريا وليبيا ويحاولون خلق "طابور خامس" داعم لهم في البلاد العربية باستغلال العاطفة الدينية و"نوستالجيا الخلافة"... ففكرة إيجاد ذريعة للتدخل هي مشتركة.

فكلاهما إذن يستخدم "حصان طروادة" لتحقيق أهدافه، بل أن تنظيم الذئاب الرمادية الإرهابي كان أكثر صراحة في إعلانه أنه صاحب انتماءات "عرقية" بينما يخفي نظام أردوغان/العثمانيون الجدد تعصبه العرقي خلف ستار ديني ثقيل.

ولأن الطيور على أشكالها تقع كان من الطبيعي أن يرتبط كلا من نظام أردوغان ومنظمة الذئاب الرمادية، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016 والتي أعقبها تحالف بين أردوغان وحزب الحركة القومية التركي الذي يمثل الذئاب الرمادية ذراعه العسكري.. فأردوغان كسب مرتزقة جدد يشاركونه الرؤية القومية فضلًا عن إمكانية توظيفهم لتنفيذ مهام لصالحه داخل أوروبا نفسها (يدعي الذئاب الرمادية وجود مئات الآلاف من أنصارهم بين المهاجرين في أوروبا) مع إمكانية تنصله من الارتباط بهم رسميًا (وقد صرح بالفعل ردا على فرنسا بأنه لا يوجد ما يدعى تنظيم الذئاب الرمادية)، والتنظيم الإرهابي يستفيد من ارتباطه بنظام دولة كامل بما له من إمكانيات تسليحية وتمويلية واستخباراتية.

وليس تنظيم الذئاب الرمادية بأول تنظيم إرهابي يدعمه هؤلاء!

الخلاصة إذن أن ما يجمع من يحسبهما البعض شتيتان- أعني العثمانيون الجدد والذئاب الرمادية- هو نفس الفكر العنصري المتعصب عرقيا المؤمن بتفوق النوع التركي الذي حكم الدولة العثمانية قديما، ويحكم فكر المنادون بإحيائها حديثا. فقط اختلفت منظمة الذئاب الرمادية في أنها تعاملت مع هذا الفكر بشكل علني وفج فنفضت عنه الدعايات الدينية والمزاعم القديمة التي طالما استتر وراءها التعصب التركي.