بدأت المشكلة في تسخير برمجيات الروبوتات المسخرة (bots) لشراء السلع النادرة أو التي شحت بسبب شدة الرواج، قبل تمكن الزبائن الفعليين من إتمام عملية شرائها إلكترونيا، وذلك لبيعها عليهم من مواقع أخرى بأسعار أعلى.
بدأت هذه الممارسة منذ سنوات قليلة بالأحذية الرياضية التي يسعى المهتمون لجمعها، مرورا بالاقتناص الفوري للمعروض من كميات جهاز "بلاي ستيشن 5" لألعاب الفيديو مؤخرا.
ولن يقف الأمر عند حد، فقد يشمل الأسهم الصاعدة، وملكيات الابتكارات الفكرية قبل تسجيلها، والأنكى سيكون العبث بأعداد الأصوات الانتخابية، فور دمج هذه البرمجيات مع مكائد اختراق الأنظمة الرقمية والسلوكيات الإجرامية المبنية على الذكاء الاصطناعي.
دمرت هذه البرمجيات مصداقية الآراء والمراجعات لعدد من أبرز أنواع البضائع، مثلما فعل بعض منتجي وباعة السلع من الصين وغيرها فور بدء موقع أمازون بعرض منتجاتهم، وأزاحوا بالتصويت الوهمي والمدروس أسماء تجارية لامعة في مجالاتها، وخلطوا أوراق الثقة وقرارات الشراء لدى المستهلكين، إلى الحد الذي جعل علامات تجارية كبرى تنسحب رسميا من موقع أمازون، وتلجأ للبيع المباشر عبر مواقعها الرسمية، محذرة من الإقدام على شراء سلع مقلدة من خلال مواقع أخرى يدّعي أصحابها أنها أصلية.
هذا تطور نوعي في خبثه، تجاوز في ضرره البرمجيات الجامعة والعارضة لأعداد وكيانات مصطنعة من المتابعين والمعلقين على الآراء والاتجاهات السائدة في منصات التواصل الاجتماعي.
إزاء هذا التقدم الطارئ في وسائل واحتمالات الهجوم على المصداقية التجارية – والسياسية عما قريب، يجدر بالسلطات الرقمية في دولنا ألا تهدر الوقت والجهد في التفاوض على الحماية عبر مصالح واشتراطات هذه المنصات والمواقع، والخضوع بالتالي لرحمتها المعدومة وأخلاقياتها المتلاشية، بل الأجدى تصميم برمجيات محلية تمكن هذه السلطات من الولوج إلى حقل الأمن الرقمي من أحدث أساليبه، لتفاوضنا المنصات والمواقع العالمية على أحكام وموافقات استغلال أسواقنا الرقمية وساحاتنا السياسية الافتراضية ذات الانعكاس الواقعي.
الأمر يتطلب تسخير فرق عمل تشريعية وقانونية، وتجارية وسياسية وأمنية، تنضوي تحت مظلة تقنية تتبع السلطة الرقمية في كل دولة، تشرع الممارسات وتقنّن التجاوزات، لتجيز الممارسة وفق فائدتها للمصلحة العامة، وتحاسب على الضرر الجنائي لأي تجاوز، وأشدد على التقنين الجنائي، لقطع الطريق على تسييس المحاسبة للجناة من قبل الأطراف ذات المصلحة، ففي حفظ حقوق المتضررين متسع من العذر، وفي العذر القانوني درع عن الملامة.