وقديما قيل أن من الغباء أن ترتكب نفس الأخطاء وأنت تأمل في نتيجة مغايرة.

ومنظمة الذئاب الرمادية الإرهابية هي نموذج قوي لتكرار بعض الأنماط من السلوكيات البشرية.. فلو عقدنا مقارنة بين عوامل تأسيسه وعوامل تأسيس تنظيمات وحركات تقوم على العنصرية العرقية وتفوق العرق المؤسس لها لأدهشتنا التشابهات.

فمنظمة الذئاب الرمادية تقوم على فكرة تفوق العرق التركي والسعي لسيادته وازدراء ومعاداة الأعراق الأخرى خاصة تلك التي ينتمي لها المعارضون لفكرة السيادة الترك، كالأكراد والأرمن مثلا.

 وهو في ذلك يتشابه مع الفكرة التأسيسية لكلا من حركتا الكوكلوكس كلان التي تدعي التفوق العنصري لكل ما هو أبيض أنجلوساكسوني بروتستانتي على غيره، وتعادي بشكل خاص أصحاب البشرة السمراء، والحركة النازية التي تقول بتفوق العرق الآري الجرماني على من سواه، وتعادي بشكل خاص اليهود.. (ملاحظة هامة: الكوكلوكس كلان يعادون كذلك اليهود والآسيويين واللاتينيين والكاثوليك.. لكن صراعهم الرئيسي كان مع سمر البشرة، والنازيون عادوا كل من يختلف عنهم كالغجر والروس والسلاف ولكن أبرز اعتداءاتهم كانت على اليهود).

وبينما أسس منظمة الذئاب الرمادية في مطلع عقد الستينيات من القرن الماضي ضباط أتراك ساخطين على انهيار الإمبراطورية التركية القديمة وتدهور الأوضاع السياسية، أسس الكوكلوكس كلان في نهايات القرن التاسع عشر ضباط جيش أميركيين من الانفصاليين الجنوبيين المعادين لتحرير العبيد السود سخطا منهم على هزيمة جانبهم في الحرب الأهلية الأميركية واكتساب العبيد السابقين حريتهم وتحولهم لمواطنين أميركيين.

وكذلك ولدت النازية من رحم سخط عسكري ألماني سابق هو أدولف هتلر على هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتعرضها للإذلال على أيدي الدول المنتصرة، وتحولها من قوة عظمى لدولة منكسرة فقدت سطوتها الخارجية.

والكوكلوكس كلان اعتبروا أن تضمين المجتمع الأميركي فئة الملونين هو خطر على أميركا، وأن انحيازهم لحكومة الوحدة هو سبب هزيمة الانفصاليون في الحرب الأهلية، والنازيون اعتبروا أن اليهود هم المسئولون عن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

من نفس المنطلق حملت منظمة الذئاب الرمادية الأرمن والأكراد مسئولية انهيار الإمبراطورية التركية وحلم السيادة الطورانية، أي أن الحركات الثلاث اتفقت في تجنب البحث عن الأسباب الواقعية للهزيمة، وتحليلها ودراستها واستخلاص الدروس منها، وقرروا أن يبحثوا عن كبش فداء يعلقون في عنقه مسئولية هزيمتهم، وأن يناصبوه العداء في حيلة دفاعية نفسية شهيرة يهدف من خلالها المصاب بصدمة الهزيمة أن يتجنب مواجهة نفسه بأسباب فشله فيضع جريرته على عواتق غيره ليرضي نرجسيته!

 تتفق الحركات الثلاث كذلك في انتهاج درب الإرهاب والتصفية العرقية.

فالكوكلوكس كلان سجلهم حافل بالهجمات على الملونين وحالات الشنق والحرق لهم، والنازيون يزدحم تاريخهم بجرائم قتل جماعي يرتاع القاريء لهولها لو بحث تحت أسماء مثل "ليلة الزجاج المكسور" أو "معسكرات العمل" أو "معتقل أوشفيتز".

واعضاء تنظيم الذئاب الرمادية تسجل السلطات التركية بحقهم حوالي الستمئة وأربع وتسعون جريمة خلال عقد السبعينيات وحده تسببت في مقتل ستة آلاف شخص، فضلا عن لعبهم دور فرق الموت بحق الأكراد في تركيا.

ومن أبرز أوجه التشابه كذلك وجود فكرة "إحياء السيادة القديمة"، فالكوكلوكس كلان يحلمون بعودة التمييز الرسمي للنوع الابيض الأنجلوساكسوني البروتستانتي وخضوع السود للعبودية فيما قبل الحرب الأهلية الأميركية وعهد لينكولن، والنازيون كانوا يحلمون بعودة السيادة الجرمانية القديمة على المناطق التي حكمها الجرمان بعد سقوط الإمبراطورية الجرمانية كالمانيا والنمسا وفرنسا وهولندا وبلجيكا غيرها تمهيدا لحكم العالم بأسره.. وكذلك يبشر تنظيم الذئاب الرمادية بإمبراطورية تضم أبناء العرق التركي الطوراني.

ومن ناحية المؤسسون، تتفق تواريخ الحركات الثلاث، فالكوكلوكس كلان أسسهم عسكريون منهزمون مارقون على الدولة الأمريكية سبق أن حاربوا ضد وحدتها، والنازية أسسها عسكري خبر الهزيمة وتجارب التعرض للملاحقة الأمنية والاعتقال إثر محاولة انقلاب فاشلة قبل دخوله مرحلة الصعود، وألب ارسلان توركيش مؤسس الذئاب الرمادية سبق أن لوحق وتعرض للنفي لمشاغباته السياسية.

بل أن تواريخ كل من تلك الحركات بها ما يفيد استعدادها لتوجيه أسلحتها لصدور مواطنين يتفقون معها في الانتماء العرقي، بينما يختلفون في الفكر وهو الأمر الذي جعل منهم أهدافا لعدوانها، فالكوكلوكس كلان اغتالوا السياسي جورج و. أشبورن المعارض لهم، والنازيون حاكموا الناشطة الألمانية صوفي شول المعارضة لهم وأعدموها، وكذلك استهدفت منظمة الذئاب الرمادية الصحفيون والسياسيون المعادون لفكرها.

بقي أن نشير لأن انهيار النظم العنصرية الرسمية في السياسة الداخلية الأمريكية-كالعبودية أو بعدها مرحلة التمييز ضد السود-لم يمنع استمرار فكر الكوكلوكس كلان عند الكثيرين ممن يبشرون ب"أمريكا بيضاء"، وانهيار النازية وتجريمها لم يمنع وجود بعض منظمات النازيين الجدد.. كذلك لم يحل انهيار الحركة الطورانية البائدة وحكم حزب الاتحاد والترقي-قبل عقود من ميلاد منظمة الذئاب الرمادية -دون حلمهم ببعث ذلك الفكر وبحثهم عن حاضنة لهم تتمثل في نظام أردوغان والعثمانيون الجدد.

نستخلص مما سبق أن ألب أرسلان توركيش مؤسس تنظيم الذئاب الرمادية الإرهابي إنما كان يكرر نمطا له وجود سابق في التاريخ الإنساني.

ولكن كيف التقى كلا من الذئاب الرمادية والعثمانيون الجدد؟ ذلك حديث له بقية...

-يتبع-