جاءت المناظرة الأخيرة بين ترامب وبايدن في توقيت غاية في الأهمية، ووسط ترقب كبير من المراقبين ووسائل الإعلام، وفي ظل تسريبات تخص ابن بايدن، وهي تسريبات وصلت لمحامي ترامب عمدة مدينة نيويورك السابق، رودي جولياني.
وكان لافتا أن ذات المعلومات كانت لدى جهاز المباحث الإدارية منذ زمن طويل، ولم يتحدث عنها أو يفتح تحقيقا، رغم أن ما تسرّب يوحي بأن هناك تحركات في غاية الخطورة، تتعلق بتعامل هنتر بايدن مع أوكرانيا والصين، واستخدام والده نائب الرئيس للكسب غير المشروع، وهذا أمر يتعلق بالأمن القومي.
وكان طريفا أن حملة بايدن كانت قلقة من أن ترامب سيفتح هذا الموضوع في المناظرة، لكن الذي حدث هو أن بايدن هو من أطلق النار على قدمه، عندما تهجم على جولياني، فاستغل ترامب الفرصة وفتح الموضوع الذي كان يفترض أن يتحاشاه بايدن بكل السبل.
كان مستشارو ترامب وبايدن قد بذلوا جهودا كبيرة في إسداء النصح لهما قبل المناظرة، فقد طلب مستشارو ترامب منه أن يظهر بصورة مختلفة عن الصورة التي ظهر بها في المناظرة الأولى، عندما بدا متوترا وهجوميا.
إذ قال له المستشارون إنه يتوجب عليك أن تظهر بمظهر رئاسي، وقد فعل ذلك بامتياز، وهو الأمر الذي لم يرق لمنصات الإعلام المضادة له، فقد كانت تتمنى أن يفقد أعصابه ويهاجم بايدن بدلا من التركيز على القضايا التي تهم الناخبين.
وكان ترامب قبل المناظرة يجوب الولايات بلا كلل، خصوصا الولايات المهمة، في الوقت الذي ابتعد بايدن عن الأنظار واختلى بنفسه ومساعديه.
ثم استأنف ترامب جولاته، وهي الجولات المكثفة التي يصعب على بايدن مجاراتها، فتجمعات ترامب تشبه الحفلات الضخمة، يتخللها الحماس الجماهيري الذي يعرف ترامب كيف يتعامل معه، فعلاقته بجمهوره تكاد تكون شخصية، لأن هذا الجمهور وحده هو الذي أوصله للبيت الأبيض، بينما تبدو لقاءات بايدن بلا روح، حسب مقاطع الفيديو التي تنتشر.
ويقول الديمقراطيون إن ذلك بسبب الخوف من كورونا، رغم أنهم هم من يدفع بالجماهير للتظاهر منذ عدة أشهر.
لم يتبقى إلا أسبوع ونيف على يوم الحسم لأهم انتخابات منذ الحرب الأهلية الأميركية، فحالة الانقسام تقرأها في كل مكان، في الشارع وفي منصات الإعلام التقليدي وفي السوشال ميديا، وحتى في أوساط العائلة الواحدة.
وتبدو الصورة مشوشة للغاية، فاستطلاعات الرأي في معظم منصات الإعلام التقليدي تقول إن بايدن يتقدم على ترامب، وهذا لا يستقيم مع استطلاعات محايدة تنشر في وسائل التواصل، ولا مع الحضور المكثف لتجمعات ترامب في كل ولاية يذهب إليها.
وغني عن القول أن هناك تقارير أشارت إلى أن استطلاعات الرأي تتبع أسلوبا تقليديا، بينما تعمل حملة ترامب وفق استراتيجيات غير تقليدية، لن تلتقط استطلاعات الرأي نتائجها.
ويشمل ذلك الاستخدام المكثف والمعقد للتقنية، كما أنها باشرت أسلوبا انتخابيا قديما، يشمل النشاط الميداني وطرق أبواب منازل الناخبين مباشرة.
والأهم من كل ذلك هو تسجيل ناخبين جدد، وقد تفوقت حملة ترامب بهذا الخصوص على حملة بايدن، وفق الأرقام المعلنة.
الأجواء مشحونة للغاية على كل مستوى، فهناك شرائح لا تتخيل بقاء ترامب لأربع سنوات أخرى، إذ صرح المغني الشهير بروس سبرنغستين أنه سيهاجر إلى أيرلندا إن فاز ترامب. وقد ردت عليه جماهير ترامب بأنها ستتكفل بثمن تذكرة الطائرة.
وعلى الجانب الآخر، هناك جمهور ترامب المخلص، الذي انتظر طويلا ليأتي رئيس بمواصفاته، وليس مستعدا أن يتقبل رحيله، وبالتالي سيكون يوم الثالث من نوفمبر حدثا تاريخيا لا ينسى، مثل اليوم الذي أعلن فيه روزفلت دخول أميركا معترك الحرب العالمية الثانية، ومثل أحداث سبتمبر.
ولن يكون سهلا على أي فريق أن يسلم الراية ويعترف بانتصار الطرف الآخر. والخلاصة هي أنه إذا كان كل العالم بما فيه القوى الكبرى مثل الصين وروسيا تتابع هذه الانتخابات، فما بالك بالداخل الأميركي، الذي يغلي منذ فوز ترامب في 2016!. فلننتظر يوم الحسم الذي اقترب كثيرا.