عندما فاز الرئيس ترامب في عام 2016، ذكرت أنه إن كان هناك شخص واحد، استطاع بدهائه أن يحمل مرشح رئاسي على كتفيه ويقوده إلى نجاح فاجأ العالم أجمع، فهو بلا شك ستيفن بانون، الذي أقنع ترمب بأن يفعل المحظور، ويتحدث بلغة غير معهودة.
وهذه الاستراتيجية هي التي أيقظت المارد النائم، أي شرائح الناخبين، الذين سئموا من نفاق الساسة التقليدين، واستبشروا بمرشح جديد من خارج المؤسسة الرسمية، يتحدث إلى الناخب مباشرة، دون النظر للوبيات المصالح التي تسيطر على الكابيتال هيل والبيت الأبيض، وبعد الفوز، عيّن ترامب مستشاره بانون كبيرا للاستراتيجيين، ثم اختلف الرجلان سريعا، فبانون أراد من ترامب أن يستمر في نهج سياساته اليمينية، التي أوصلته للبيت الأبيض، ولم يستطع ترامب، لأنه لم يعد مرشحا للرئاسة، بل رئيس لكل الأميركيين، وبالتالي لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمر لدولة المؤسسات حتى لو أراد، وحينها تم عزل بانون وخرج من المشهد.
استمر ترامب في سياساته، التي تميل للمحافظة، ولكنها تحاول الموازنة بين متطلبات كل شرائح الشعب الأميركي بتفرعاته الأثنية والعرقية والدينية، ولكن الإعلام لم يكن مقتنعا بذلك، واستمر ينعت ترامب بأنه عنصري وإقصائي، حتى بعد أن ثبت بالأرقام أنه خدم السود في مجال التوظيف أكثر من أي رئيس آخر، بما في ذلك باراك اوباما، ولذا عندما جاء مؤتمر الحزب الجمهوري، وهو المنصة الأهم لطرح منجزات الرئيس في فترته الأولى، ولتقديم برنامجه لفترته الثانية، كان التركيز على منجزات الرئيس، وعلى حقيقة أنه نفّذ معظم وعوده الانتخابية، وكان التركيز عاليا على شريحة السود، في ردّ غير مباشر على اتهامه بالعنصرية، فقد تحدث نجم كرة القدم الأمريكية السابق، الأسود هيرشل واكر، عن صداقته مع ترامب منذ 35 سنة، وأنه لم يلحظ منه أي سلوك عنصري، كما أن ترامب ظهر مع سجين أسود أصدر عفوا عنه لحسن السلوك، وغني عن القول أن من أهم صلاحيات رئيس أميركا هو العفو عن أي سجين مدان بقضايا فيدرالية.
أيضا، تحدث عدد كبير من السود عن ترامب، وأعلنوا دعمهم له، كما ركّزوا على حقيقة استخدام الديمقراطيين للسود ككتلة انتخابية، دون خدمتهم، وكان من أبرز أحداث المؤتمر كلمة عضو مجلس الشيوخ عن ولاية جنوب كارولينا، الأسود تيم سكوت، فقد كان بارعا في الحديث عن معاناته في الجنوب الأميركي، وعن أسباب انتمائه للحزب الجمهوري، وقد كان عنوان كلمته: "من حقول القمح إلى الكونغرس"، في إشارة إلى جدّه، الذي عاش في الجنوب الأميركي زمن الفصل العنصري، وتم فصله من المدرسة وهو في سن العاشرة ليعمل في الزراعة، وفي نهاية المطاف، استطاع الحفيد أن يفوز بمقعد في مجلس النواب ثم في مجلس الشيوخ عن ولاية تُصنّف على أنها عنصرية، وفي لفتة ذكيّة، حضر ترامب حفل منح الجنسية الأميركية لخمسة من المهاجرين، تم اختيارهم بعناية ليمثلوا معظم تنوعات العالم، فمن سيدة سودانية مسلمة إلى شاب من أميركا الجنوبية وشابّة من الهند، علاوة على شاب أفريقي وسيدة لبنانية.
كان المؤتمر، من وجهة نظري ناجحا، وتم عرضه بشكل احترافي كبير، وبأفضل وسائل العلاقات العامة كفاءة، كما تم عرض انجازات الرئيس الماضية وبرنامجه المستقبلي بشكل مقنع، وتم التركيز على السود وقضاياهم بشكل مكثف، ولئن كان المؤتمر نجح بشكل كبير، إلا أن بعض المعلقين انتقدوا بعض أحداثه، وأهمها أن ترامب استخدم البيت الأبيض كمنصة دعائية، كما أن كل أفراد أسرته شاركوا في الحديث خلال المؤتمر، فقد تحدثت زوجته وابنيه دان وإريك، وابنتيه إيفانكا وتيفاني، كما أن الديمقراطيين اعترضوا بشدّة على مشاركة وزير الخارجية، مايك بومبيو، من تل أبيب، التي كان يزورها وقت المؤتمر، بحكم أنه في عمل رسمي يتكفل بتكاليفه دافعو الضرائب، وليس له الحق في أن يستخدم ذلك للمشاركة في مؤتمر حزبي، ولكنه شارك على أي حال، وتحدث عن انجاز ترامب، أي عقد صفقة سلام بين الامارات واسرائيل، وخلاصة الحديث هي أن مؤتمر الحزب الجمهوري كان ناجحا بكل المقاييس، وسيصنع ذلك فارقا في توجّه الناخبين المحايدين، كما أنه قد يجلب شرائح جديدة من الأقليات، خصوصا السود والمسلمين، وننتظر ما سيكشف عنه يوم 3 نوفمبر القادم!