أتى الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأميركية لإقامة العلاقات الثنائية الكاملة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل كخطوة محورية أخرى في سياق خطوات أبو ظبي المتواصلة لتكريس موقعها ودورها كقطب عربي وإقليمي وازن ومبادر وفاعل وفق سياساتها الوسطية المعتدلة القائمة على تعزيز قيم السلام والتنمية والشراكة بين مختلف دول المنطقة وشعوبها .
فبعد عقود من الصراع وتحول القضية الفلسطينية إلى شماعة تعلق عليها الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي أخطأها وخطاياها ومصادرتها الحريات ودوران بلدانها في حلقات الجمود والتخلف والعسكرة أتت الخطوة الإماراتية الجبارة لتقطع مع إرث ثقيل من شيوع ثقافة السلبية والتردد والتقوقع وغياب المبادرة والمراوحة في شرانق المتاجرة بفلسطين عربياً وتحول قضيتها إلى مادة للابتزاز والارتهان وتبرير الاستبداد فأي محاولة لكسر هذه المعادلة والبحث عن بصيص سلام وخروج من دوامات الحروب وخطاب الكراهية كانت تجابه بالتخوين والتشنيع على ما شاهدنا مثلاً لا حصراً مع مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات .
فالاتفاق يؤسس والحال هذه لإعادة ضخ الحياة في جهود التسوية والسلام بعد ركودها المديد سيما خلال العقد المنصرم مع اندلاع موجة ما سمي "الربيع العربي" وما تلاها من حروب أهلية وداخلية أثبتت أن مشجب "العدو الصهيوني" ما عاد صالحاً للتغطية على حقيقة الفشل الذي بلغته معظم الدول العربية بعد عقود من استقلالها على كافة الصعد الوطنية وعلى عمق الانقسامات المجتمعية والأهلية العاصفة بتلك الدول نتاج تراكم النخر الاستبدادي العميق في مختلف مفاصل اجتماعاتها وتراكيبها لدرجة أن الموضوع الفلسطيني كاد يغيب تماماً في غمار هذه المعمعة الدموية ما يجعل الاتفاق الجديد بمعنى ما أعادة لزخم حل القضية الفلسطينية ووضعها على الأجندة الدولية مجدداً سيما وأن ثمة تعهداً إسرائيلياً واضحاً بموجب الاتفاق بوقف ضم أراض فلسطينية جديدة ما يسهم في تنقية الأجواء ولو نسبياً والتمهيد لاستئناف المسار السلمي والتفاوضي بين الأطراف المعنية .
والحال أن الدبلوماسية الإماراتية النشطة هنا نجحت في انقاذ ما يمكن انقاذه ووقف عمليات القضم والضم الأمر الذي ما كانت لتحققه ترسانات المقاومة والممانعة الشعاراتية التي أسهمت بكل جلاء في تراجع القضية الفلسطينية ووضعها على الهامش والرف كما لا يخفى على أي مراقب لبيب.
سيكون لهذه المبادرة الإماراتية الشجاعة تأثيرات كبيرة على مختلف ملفات وتوازنات المنطقة بمعنى تعزيز جبهات السلام والتسامح والتنمية وهي جديرة بالتوقف عندها في مقالات قادمة .